سميرة الموسوي ||
البنية الاجتماعية العراقية معروفة بتنوعاتها ، ولا يخفى على أحد ما قاله علماء الاجتماع عن مميزات شخصية الفرد العراقي
بعد إحتلال العراق عام 2003 ثم الانتخابات تشكلت حكومة بأغلبية شيعية ، لكنهم لم يكونوا بمستوى العمل على إنجاز مهماتهم المتعددة بل أساء الكثيرون إلى مشروعهم حتى أعطوا للعالم صورة غير لائقة بهم وبنضالهم وبشهداء المشروع الاسلامي .
راح الامريكان يخلقون الكثير من حوادث الضغط على الطبقة السياسية لكي تذهب معهم إلى أبعد الحدود التي تجعل العراق ولاية من ولاياتها ، وحين لمسوا ممانعة عند الساسة العراقيين حين وصلوا إلى الحدود المبدئية الحمراء ، وتيقنوا من التقدم الايراني الخطير القائم على مشروع أسلامي رصين مع تعاظم قوة حسن نصر الله بمشروعه الواثق وتعاونه الوثيق مع إيران مما يشكل خطرا حقيقيا على الكيان الصهيوني وتمدده كما يشكل تمدد الفكر الشيعي القائم على رفض الاستعباد والهيمنة والاستغلال خطرا أكيدا على مشروع الهيمنة الأمريكي على منابع النفط ويفتح الافاق للتعامل مع الشرق على حساب أمريكا ،حين لمسوا ذلك كله عمدوا إلى تصنيع داعش ، وكان هدفهم تأسيس دولة صهيونية أمريكية بمواصفات فقهية إسلامية ومهمتهم القضاء على النهضة الشيعية وأخطارها وتحقيق مبدأ (الاحتواء المزدوج ) الأمريكي للاطباق على كل مقومات الممانعة المتضمنة في المشروع الاسلامي الكبير .
فما الذي حدث في الواقع الدولي الاسلامي والعالمي خلال السنوات إبتداء من الثورة الايرانية الكبرى حتى يومنا هذا .
عرف المسلمون والعالم أن المذهب الشيعي لم يكن فرقة إسلامية مندثرة كما الخوارج والمعتزلة وغيرهما من الفرق .
إزداد هجوم الذباب الالكتروني على المذهب الشيعي مما لفت أنظار المسلمين إلى المذهب وفقهه .
ظهور الفقهاء في وسائل الإعلام لمناقشة المذهب ومقارنته مع المذاهب الأخرى حتى أصبح ذكر المذهب والشيعة ضرورة عند الحديث في سياسة المنطقة .
هذا الذي حدث في في الواقع الاسلامي كان جزء من المشروع الاسلامي الكبير أسهمت فيه إيران وحسن نصر الله والسيد السيستاني .
فضلا عن إسهامات المخلصين من الفقهاء والمثقفين والمنصفين في المشروع ، وينبغي لنا القول أن المشروع يزداد تبلورا بإسهامات الثورة اليمنية وطروحات الثائرين وأمكاناتهم القتالية الايمانية ضد الظلم والاستعباد في المنطقة برمتها .
وكان أسلوب السيد السيستاني في التأسيس والدعوة للمشروع الاسلامي الكبير يتميز باللامباشرة في الخطاب ( للأسباب التي ذكرناها عن خصوصية المجتمع العراقي ) فالخطاب يأتي بعمومية ليست غامضة متلامسا مع الواقع بدقة وحائزا على كل تفاصيله ( والعودة إلى كل خطب الجمعة سنكتشف ذلك بسهولة ) ،ولذلك فهو يركز على فكر المذهب ومنطلقاته وليس على المذهبيين ،وعلى العمل للدلالة على العامل فلا يسمي ولكنه يشير ،وإشارته يفسرها المجتمع بدقة ، ولا يخفى على لبيب ما الذي سوف يحدث لو إنه تحدث بالاسماء ، فعندئذ عليه إيراد الادلة القانونية ..الخ .
وكانت خطبه في سياق ( إدعو إلى سبيل ربك بالحكمة والموعظة الحسنة ) ،وأعتاد الناس على مفردات خطابه ، فحين أصدر الفتوى غير المسبوقة في تاريخ الفقه الاسلامي لم يخطيء أحد فهمها فقد ذكر أن الجنة لمن يستشهد دفاعا عن وطنه المهدد من داعش وهو بذلك لم يحدد قومية أو دين أو مذهب . فكانت الفتوى في سياق المشروع الاسلامي لان من أكبر خواص المذهب هي الانسانية حيث يقول إمام المتقين عليه السلام ( الناس صنفان ؛ أما أخ لك في الدين أو نظير لك في الخلق ) وفي الفتوى شمل كل معتد على الانسان ولم يستثن الامريكان لان فعل داعش هو فعل أمريكي أو لا يقل عنه عدوانا . فالفتوى ما زالت قائمة ولم تنته .
+ أما ما جاء في قوله المجرب لا يجرب فإن هذا المفهوم أكثر إنطباقا على الامريكان وعلى كل محتل وله تاريخ في الاعتداء وقد فهمه الكثيرون على أنه يخص السياسيين فحسب ولكن ثمة من فهمه على إنه يخص المحتل والمهيمن ، ولكن لم يعلن أحد أن هذا المفهوم غير مخصوص بالسياسيين ولو أعلنوا لحصل ما قد يؤذي العراقيين لان الاحتلال الصهيوأمريكي لا حدود لمخالبه كما يعلم الجميع وفي هذا الوقت تحديدا .
هذه من خطوات الاسهام في المشروع الاسلامي ، خطى قائمة الحكم متى شئتم لان المحتل مجرب بأنه يخالف دعوة اهل البيت الاطهار عليهم السلام في الحق والحرية والعدل والكرامة الانسانية .
وكان من نتاج الفتوى المتفردة ولادة الحشد الشعبي الذي يمثل جوهرة من جواهر المشروع الاسلامي حيث إنه حشد عقائدي مترع الانسانية معبأ بالتحفز للدفاع عن الحق والتضحية بالنفس من أجل الحرية في كل مكان
إن خطاب السيستاني لا سكوت فيه عن كل ما ينبغي أن يتضمنه المشروع الاسلامي وإن لم يسمه بإسمه ، فللمرجعية الرشيدة العليا فلسفتها في طرح أفكارها في المجتمع العراقي .
خطاب السيستاني يستند الى حديث النبي صلى الله عليه وآله وسلم ( إنما بعثت لأتمم مكارم الاخلاق ) ولذلك فإن بناء المجتمع بمكارم الاخلاق هو الذي ينتج لنا إنسانا عادلا يمكن أن يكون حاكما عادلا فالخطاب معظمه للناس بالحكمة والموعظة الحسنة وليس بالتحريض المشعل للحرائق حيث لا يستفيد سوى الظالم والمحتل .
إن تحميل السيد السيستاني دام ظله فوق إمكاناته وخارج نهجه الذي يحاول البعض التغطية عليه لألقاء اللوم الغبي على رجل ليس لديه سوى ورقة وقلم وحنجرة ولم يجبر أحدا على فعل أو قول ولكنه يذكره بما يحمله من مباديء .
إن مقارنة نهج السيد السيستاني بنهج وأساليب فقهاء ومراجع آخرين ما هو إلا مجانبة للحقيقة فالسيستاني يعمل في واقع متلاطم قل نظيره . ومن ضيق الأفق أن نطلب منه ما لم يستطع أحد غيره أن يتحمله من مسؤولية ، وإن نقده بطريقة فجة لا تحقق للناقد شهرة ولا تضيف إليه أل التعريف
والله ولي التوفيق .
https://telegram.me/buratha