عمار محمد طيب العراقي ||
بصرف النظر عن أول من سن القوانين والشرائع التي تنظم أحوال البشر، وهو من هنا من هذه الأرض بالتأكيد، إلا أن علاقة العراقيين بالقضاء كانت ليست جيدة على مر العصور، ما خلا فترات قصيرة، في أوائل الدولة الآشورية، وأيام حكم أمير المؤمنين علي عليه السلام، وهي فترات قصيرة جدا قياسا الى التاريخ العريق لهذا البلد الأقدم في الحضارة الإنسانية..
على مر آلاف القرون كانت أنظمة الحكم ثيوقراطية إستبدادية، ولم يعرف العراقيين علاقات ناظمة لحياتهم، وفقا للقوانين، بل كانت القوانين شأنها شأن بقية انحاء العالم، تشرع وتصمم لخدمة الحاكمين
هذه العلاقة السيئة المتجذرة في وجدان الأمة العراقية، مازالت تلقي بظلالها على الواقع العراقي، بيد أن أسوأ فترة مر بها القضاء العراقي، كانت قد بدأت مع إنشاء الدولة العراقية الحديثة، في اوائل عشرينيات القرن الماضي، إذ كنا نعيش طيلة الحكم الملكي(1920 ـ 1958) ، تحت وطأة الأحكام العرفية والقضاء العسكري والأحكام القبلية والعشائرية(السناين)،، واشتدت الأوضاع العدلية والقضائية سوءا، ابتداءا من العام 1958، مع زوال الحكم الملكي، وبدء حكم العسكر، ومحاكم المهداوي ومذابح كركوك والموصل، ينجزها رافعو حبال الإعدامات الكيفية من الشيوعيين، ثم ما لبث القضاء العراقي أن يتحول الى نكتة سمجة، مع عام 1963 حيث كانت محاكم الرعاع البعثيين تنعقد في الطرقات.
حينما حل عام 1968 وبدأ الحكم البعثي التكريتي، إستسلم القضاء العراقي الى البعثيين تماما، وتحول الى اداة طيعة بإيديهم، وبات القضاة جلادين رسميين لشعبنا المظلوم، وأذا اعيت البعث الوسيلة، حول الرفاق من أشباه الأميين الى قضاة، وتشكلت محكمة الثورة سيئة الصيت، فضلا عن المحاكم الخاصة، بل خول مجلس قيادة الثورة الرفاق البعثيين من أعضاء الفرق الحزبية سلطة حاكم وصلاحية الحكم بالإعدام..ف ضلا عن القضاء العسكري وفرق الإعدامات وسرايا مكافحة المتسربين، إبان الحرب العراقية الإيرانية، وإعطاء ضابط شرطة المرور مثلا سلطة قاض، مايزال ساري المفعول لحد الآن!
مع أن اي من هذه الفترات ما كانت لتخلو من قضاة شرفاء، ومن مدعين عامين ابطال، ومن محامين اشاوس، إلا أن الصورة العامة هي تلك التي ذكرناها، وحينما نتحدث عن القضاء العراقي، فإننا نتحدث عن كامل الجسم القضائي العراقي، القضاة والأدعاء العام، والقضاء الواقف (المحامين).
ومع أننا نثق ثقة مطلقة بالقضاء العراقي، الى حد أننا كشغب ومن خلال ممثلينا في البرلمان، كلفنا القضاء العراقي المحترم ولثقتنا به، بإدارة مستقبلنا من خلال تكليفه بمهمة مفوضية الأنتخابات، لكن هذا لا يمنع من أن نقول، إن لدينا أرث سيء من العلاقة بين القضاء والشعب، وهذا الإرث لا يمكن حذفه من تاريخنا الى الأبد، فضلا عن أن ثمانية عشر عاما من عمر تغيير النظام البعثي، ليست كافية لتحسين صورة القضاء العراقي، ولتصحيح العلاقة مع الشعب..
نعم أن الأوضاع باتت افضل بكثير منها قبل 2003، خصوصا بعد تآكل الطبقة القضائية السيئة بفعل عامل الزمن، لكن الإنفتاح السياسي، والتطور الأقتصادي، والإنفلات القيمي، وتفشي الفساد المالي والاخلاقي، وضعف اجهزة الدولة، وفساد أجهزة إنفاذ القانون، وإرتباط كثير من عناصر الجهازين العدلي والقضائي بقوى مشبوهة، وعودة العشائرية والقبلية بقوة، كلها عوامل ألقت وتلقي بظلالها، على أداء الأجهزة العدلية والقضائية، وعلى علاقتهما بالشعب ايضا..
إن تفشي الرشوة والمحسوبية والمنسوبية والفساد الاخلاقي وتهدم القيم بين صفوف الاجهزة العدلية والقضائية وأجهزة إنفاذ القانون (الشرطة)، والتأثيرات السياسية والأقتصادية، فضلا عن الضغوطات التي يتعرض لها القضاة، والمسالك السيئة لكثير من المحامين بدوافع مالية، او وفق قاعدة الوقوف مع الموكلين حتى وإن كانوا مجرمين، وتعرض المحامين الى مساومات من هذه الجهة أو تلك، وأستخدام النفوذ في التعاملات العدلية، كلها امور مؤشرة لكن مسكوت عنها، اما بسبب التخادم، او بسبب الخشية من الملاحقة القضائية في حال إثارتها..
إننا نأمل من مجلس القضاء المحترم، كسلطة قضائية عليا مستقلة، ومن وزارتي العدل والداخلية كجهتي إنفاذ القانون، وقبلهما من مجلس النواب كجهة تشريع ورقابة، ان يتدخلوا لتصحيح ألأوضاع، قبل أن تسوء اكثر، ونعود الى شكل العلاقة التي كانت قائمة قبل عام 2003 بين الأجهزة العدلية والقضاء من جهة، والشعب من جهة أخرى..
• نثق بالقضاء العراقي لأنه ملاذنا الأخير
• لا نتمنى ان نرى قراقوش حيا بعد قرون..
شكرا
7/8/2021
https://telegram.me/buratha