المقالات

دولة بلا دولة..!

1185 2021-08-05

 

سعد الزبيدي

 

من يعتقد أن ما حصل بالعراق هو نتيجة الصدفة فهو مخطيء جدا فيجب أن نعلم أن كل ما يجري في المنطقة مخطط له منذ عقود وربما نكون بعض أدواته دون أن نعلم.

هكذا يجب أن نفكر فالسياسية عاهرة بلا خلق والغاية لدى كثير من الدول تبرر الوسيلة.

دأبت القوى الاستعمارية على أن تدعم خططها المستقبلية بالاعتماد على أجهزة استخبارتها ومراكز بحوثها وكل المختصين في إدارة ملف الحروب وخلق الأزمات فلا تغفل عن كل شاردة وواردة وتشرح المجتمع تشريحا دقيقا لتكتمل الصورة ويبدأ العمل الحثيث من أجل الوصول للغاية المنشودة.

وهكذا كان التخطيط بمساعدة الاعلام الموجه ودراسة طبيعة المجتمعات في احتلال العراق وتحطيمه ومن ثم استغلال حماسة الشعوب وحبها للانعتاق من أجل فضاءات الحرية  لخلق الثورة لتصبح وبالا على الشعوب التي ستفقد الثقة في نفسها وفي المنظومة السياسية وتلعن الديموقراطية الخداعة وتشعر بالضياع في البحث عن هوية وعن الخلاص الذي لن تجده بسهولة.

كثيرا ما نطرح هذا التساؤال ولن نجد له إجابة مقنعة :- لماذا نعيش زمن اللا دولة؟!!!

كثيرة هي الاسباب التي عصفت بالمجتمع العراقي ومؤثرات داخلية وخارجية وظروف وتركات ثقيلة وقوى معروفة ومجهولة ومصالح خاصة وعامة وأعداء كثر لا يريدون الخير للعراق.

ولذلك تصدع مفهوم الدولة في العراق بل عملت جهات على تقويضه وحاولت طمس ملامحه وأجهضت كل المحاولات التي حاولت بناء دولة.

زعم المحتل بدستوره أنه سيعمل على بناء دولة المؤسسات وسيفصل بين السلطات لكنه ملأ الدستور بنهايات سائبة وزرع أرض الدستور بألغام وعبوات حتى لن يتمكن الجميع وإن صدقت نواياهم على بناء الدولة ساعد على ذلك المحاصصة التي أنتجت الفساد والذي أنعش الجهات المتنفذة التي ستعمل على إشاعة الفوضى وإعلان حالة الحرب على الدولة.

يذكرني حال العراق اليوم ومعظم الدول التي طالها التغيير بحال الأندلس في مرحلة حكم الطوائف فلقد كانت هي بداية النهاية لحكم المسلمين للاندلس.

وما يحدث اليوم من فوضى وتخبط وضعف في أداء الحكومات وانتشار وتنامي سطوة بعض المافيات وانتشار العصابات التي لا تخشى القانون وتمارس إجرامها علنا بلا أي رادع وسيطرتها على مفاصل الدولة يجعلك تتيقن أن طبيعة الأمور والواقع المعاش تشعرك بمدى ضعف الدولة وقوة اللادولة وتعرف الدولة بأنها كيان قانوني وسياسي ذاتي الحكم يمتلك مساحة معينة من الأرض التي يسكنها مجموعة من الأشخاص التابعين لأمة واحدة أو لمجموعة من الأمم ويشير مصطلح الدولة إلى الأبعاد والحدود الجغرافية لمنطقة ما.

أما معاهدة مونتفديو فقد حددت  أربعة معايير لتعريف الدولة وهي:- الحكومة ومجموعة من السكان الدائمين ومنطقة محددة والقدرة على إقامة علاقات  مع دول أخرى.

واللا دولة تعني  نوعا من الحكم غير الرسمي وهو ينطبق بأوجه عدة على السياسة العراقية اليوم ولهذه العبارة الكثير من الاستعمالات والمعاني فهي تستخدم لتصنيف استخدام العنف ضد الآخر أو إدانته أو حتى تبريره وهذا ما كان وما زال يحدث من قبل أطراف سياسية في العراق كما يستخدمها العراقيون لوصف الصراع السياسي الدائر في بلدهم حاليا بشكل عام.

ولا يمكن اعتبار اللادولة دولة عميقة ولا دولة موازية إنما هي  مزيج متنوع من الأطراف والأفراد  داخل منظومة الدولة فتجدهم موظفون يعملون في دوائر الدولة وربما هم في مناصب مهمة وحساسة وخارجها فهم جماعات منظمة تنظيما دقيقا  وتشمل عملياتها سياسات عامة رسمية وعنف خارج عن إطار الحكومة وتجاذب في الخطاب الشعبي.

إذن مفهوم اللا دولة يعني أنها مجموعة من مختلف القوى والجماعات كميليشيات الأحزاب السياسية والمكاتب الاقتصادية  والجماعات الإجرامية التي تسيطر بصورة مباشرة على المنافذ الحدودية وأرصفة والموانيء وتسيطر على أملاك الدولة بقوة السلاح وتسيطر على مكاتب العقود في الوزارات وعلى تجارة المخدرات وعلى أماكن لعب القمار والرقيق الأبيض وتجارة الأعضاء البشرية وسوق السلاح والجماعات القبلية المسلحة التي لا ترعوي عن أن تقوم بأعمال تعارض القانون وتهين هيبة الدولة وغيرها من المجاميع التي تهدد أمن المواطن وتمتلك أسلحة توازي أو تفوق أسلحة الدولة فاللادولة لا تتخطى الدولة نفسها ولا تهدف إلى إلغائها بل إنها داخل الدولة وخارجها في الوقت عينه ومن مصلحتها أن تبقى الدولة ضعيفة حتى تتمكن من ممارسة أعماله بكل حرية.

أعتبر البعض أن الأطراف الهجينة هي الوجه الثاني لمفهوم اللا دولة والأطراف الهجينة لا ينطبق سوى على بعض الجماعات التي تعد جزء من اللادولة فاللادولة أكثر تعقيدا  سواء لجهة المفهوم أو كنظام التصنيف واللا دولة ليست عبارة عن جماعات مسلحة فحسب بل تستخدم هذه الجماعات طابعها شبه العسكري كأداة  لتغيير الدولة لتصبح لادولة واستحداث شكلٍ خاص  من أشكال السلطة وعلاقات المصلحة هذه الجماعات تأخذ ولا تعطي وتضعف من دون أن تقتل ما يجعل من اللادولة كيانا مبهما وغير واضح المعالم.

ونستطيع ان نعرفها أيضا بالفوضى خارج إطار  الدولة وكذلك تعني غياب الأمن وسيادة الفقر.

نستطيع أن نقول أيضا أن اللادولة هو صراع مستمر بين الحضارة والبداوة أي بين ثقافات الحياة الحضرية والولاءات الأساسية للقبائل والطوائف والمذاهب والأحزاب.

ختاما نجد أن التركيز على مفهوم اللا دولة وعلاقتها بالدولة وخاصة من النخب المثقفة وكثير من عامة الشعب هو مؤشر واضح على أن  الشعب أصبح واع بما فيه الكفاية وبدأ يبتعد عن الأيديولوجيات التي تتحكم بالواقع  ويمنح الأولوية للخدمات والأمن والازدهار وفق توقعاتهم لما يجب أن تقدمه الدولة الوظيفية. ويمكن لهذه النقلة النوعية في التفكير والنضوج لدى الكثير أن تحفز الآخرين من أجل الضغط على القوى السياسية المنتفغة من اللا دولة أن تعيد حسابتها فربما تكون نهاية  هذه القوى السياسية و اللادولة وشيكا وربما يكون حافزا لوصول دولة قوية دكتاتورية تجتث الكثير ممن يقف خلف اللادولة وينهي الديموقراطية التي جعلتها بعض الأحزاب مطية من أجل اضعاف الدولة والاختباء خلف اللادولة.

 

*كاتب ومحلل سياسي.

ـــــــــــــ

اشترك في قناة وكالة انباء براثا على التلجرام
https://telegram.me/buratha
المقالات لا تعبر بالضرورة عن رأي الموقع
اضف تعليقك
الاسم والنص والتحقق من الروبوت ضروري
الاكثر مشاهدة في (المقالات)
الاسعار الرسمية للعملات مقابل الدينار
دينار بحريني 0
يورو 0
الجنيه المصري 0
تومان ايراني 0
دينار اردني 0
دينار كويتي 0
ليرة لبنانية 0
ريال عماني 0
ريال قطري 0
ريال سعودي 0
ليرة سورية 0
دولار امريكي 0
ريال يمني 0
التعليقات
حيدر الاعرجي : دوله رئيس الوزراء المحترم معالي سيد وزير التعليم العالي المحترم يرجى التفضل بالموافقه على شمول الطلبه السادس ...
الموضوع :
مجلس الوزراء : موقع الكتروني لإستقبال الشكاوى وتقديم التعيينات
سهام جاسم حاتم : احسنتم..... الحسين بن علي بن أبي طالب عليهما السلام.جسد اعلى القيم الانسانية. لكل الطوائف ومختلف الاقوام سواء ...
الموضوع :
الحسين في قلب المسيح
Muna : بارك الله فيكم ...احسنتم النشر ...
الموضوع :
للامام علي (ع) اربع حروب في زمن خلافته
الحاج سلمان : هذه الفلتة الذي ذكرها الحاكم الثاني بعد ما قضى نبي الرحمة (ص) أعيدت لمصطفى إبن عبد اللطيف ...
الموضوع :
رسالة الى رئيس الوزراءالسابق ( الشعبوي) مصطفى الكاظمي
فاديه البعاج : اللهم صلي على محمد وال محمد يارب بحق موسى ابن جعفر ان تسهل لاولادي دراستهم ونجاح ابني ...
الموضوع :
صلاة الإمام موسى بن جعفر الكاظم (عليه السلام) لقضاء الحوائج
محمد الخالدي : الحمد لله على سلامة جميع الركاب وطاقم الطائرة من طيارين ومضيفين ، والشكر والتقدير الى الطواقم الجوية ...
الموضوع :
وزير النقل يثني على سرعة التعاطي مع الهبوط الاضطراري لطائرة قطرية في مطار البصرة
Maher : وياريت هذا الجسر يكون طريق الزوار ايضا بأيام المناسبات الدينية لان ديسدون شارع المشاتل من البداية للنهاية ...
الموضوع :
أمانة بغداد: إنشاء أكبر مجسر ببغداد في منطقة الأعظمية
ساهر اليمني : الَّذِينَ إِن مَّكَّنَّاهُمْ فِي الْأَرْضِ أَقَامُوا الصَّلَاةَ وَآتَوُا الزَّكَاةَ وَأَمَرُوا بِالْمَعْرُوفِ وَنَهَوْا عَنِ الْمُنكَرِ وَلِلَّهِ عَاقِبَةُ الْأُمُورِ ...
الموضوع :
السوداني : عاشوراء صارت جزءا من مفهومنا عن مواجهة الحق للباطل
هيثم العبادي : السلام عليكم احسنتم على هذه القصيدة هل تسمح بقرائتها ...
الموضوع :
قصيدة الغوث والامان = يا صاحب الزمان
فيسبوك