د.أمل الأسدي ||
ضعيف هو الإنسان، وأحواله عجيبة،فلا يدرك تقلبات النفس البشرية إلا خالقها،الذي خلقها وسواها وجبلها علی التواصل والتأثر والتأثير، فالإنسان كائن طيني يتأثر بالظروف المحيطة به،ويتأثر بما يقع عليه، تأثرا ماديا ومعنويا، ففي حال الحزن يتغير شكله وتتغير مشاعره وصورته، وفي حال المرض يكون التغيير أشد وأقسی؛لأن العافية وقود الإنسان الذي يمكِّنه من التواصل، وبزوالها تخمد رغبته، وقد قال أمير المؤمنين علي بن أبي طالب(عليه السلام):(بالعافية توجد لذة الحياة) ميزان الحكمة، محمد الريشهري:٣ /٢٠٢٢
وقال الإمام الصادق(عليه السلام):(العافية نعمة خفية، إذا وجدت نسيت، وإذا فقدت ذكرت) من لايحضره الفقيه،الشيخ الصدوق:٤/٤٠٦
ويتأثر الإنسان تأثرا كبيرا بمن يحيط به، بكلماته، بأسلوبه،بسلوكه، ولاسيما حين يتعرض إلی أزمة صحية، فكلمات الآخرين لها وقع كالآلات الحادة، تارةً تخيط وتعالج، وتارة تهدم وتدمر!! وقد بين لنا القرآن الكريم صورة من هذه الصور حين اُبتلي النبي أيوب بالمرض،إذ كان مرضه شديدا وباديا علی جسده ولحمه الذي بدأ يتساقط، مما نفّر الجميع منه، حتی أن القوم طردوه خارج البلدة، وبقيت معه زوجته ترافقه وتخدمه،وحين صعب عليه الموقف،رغم صبره الشديد الذي تحول الی مثل يُضرب به حتی عصرنا الراهن!! بث حزنه الی الله تعالی وشكا حاله الی الرحمن الرحيم كما في قوله تعالی:((وَأَيُّوبَ إِذْ نَادَىٰ رَبَّهُ أَنِّي مَسَّنِيَ الضُّرُّ وَأَنتَ أَرْحَمُ الرَّاحِمِينَ)) سورة الأنبياء ، الآية: ٣٣
فقد ثَقُل عليه البلاء إذ فقد ماله وفقد أولاده ثم مرضه وعلته،فما كان أمامه إلا أن يشكو لله تعالی همه، فاستجاب الله له:((ارْكُضْ بِرِجْلِكَ ۖ هَٰذَا مُغْتَسَلٌ بَارِدٌ وَشَرَابٌ ۩ وَوَهَبْنَا لَهُ أَهْلَهُ وَمِثْلَهُم مَّعَهُمْ رَحْمَةً مِّنَّا وَذِكْرَىٰ لِأُولِي الْأَلْبَابِ )) سورة ص:الآيتان٤٢ ـ٤٣
وهكذا سمع الله دعاءه واستجاب له، وجزاه علی صبره وعدم جزعه خيرا كثيرا.
إن الإنسان في الشدائد يصفو وتسمو روحه فتصبح بلوريةً،يبدو ما في داخلها، وتتخلص من كل الأقنعة المحيطة بها، هنا أود أن أسلط الضوء علی جائحة كورونا وما تركته من أثر علی النفس البشرية، فقد صاحبت هذه الجائحة فوضی إعلامية غريبة، أدخلت الإنسان في حال من الرعب واليأس، فالتضليل الإعلامي لعب دورا كبيرا في تفاقم الأزمة، ووسائل التواصل الاجتماعي كان لها المساحة الأكبر في ذلك التضليل، فلم يسلم أحد منه، ناهيك عن فوضی المنظومة الصحية وتخبط المشرفين عليها، وكلنا نتذكر ماذا فعلوا بخصوص جثامين المصابين وما تركته قراراتهم من رعب وإحباط لامثيل له لدی الناس!!
وبالنسبة لي وعائلتي كنت من هولاء الناس الذين خافوا كثيرا، وبالغوا في الالتزام بإجراءات الوقاية ، الالتزام بالحظر وبشكل مفرط!! وبقيت لشهور لا أخرج ولا ألتقي بأحد، سجنت نفسي من أجل أطفالي وخوفا عليهم مما صوره لنا الإعلام!!
وبعد شهور طويلة من القلق والخوف والمبالغة في التعقيم والوقاية،أُصبت أنا وعائلتي كلها،وهذه التجربة وما شعرت به وماحدث لي دفعني للتقصي،وجعلني أبحث عن المتعافين لأسألهم عما حدث لهم!!
فكورونا المرعبة المخيفة التي تسبب الموت بالاختناق أو التجلط أو غيرها من المضاعفات، غالبا ما تكون أعراضها الجسدية أخفّ بكثير من نزلات البرد والانفلوانزا التي تصيبنا في الشتاء، مثلا:حرارة ترتفع وتنخفض بأخذ المسكن، وتدريبات بسيطة للتنفس،ومتابعةالضغط والسكر لمن يعاني منهما!! هذه هي كورونا المخيفة التي أرعبونا بها !! وهذه آثارها الجسدية لدی أغلب المصابين مع اختفاء حاسة الشم والذوق، والشعور بالارهاق!!
إن أكثر ما أزعجني ودفعني للاستقصاء والبحث هو الأعراض النفسية المصاحبة لكورونا، فقد قدم لنا الإعلام الطبي،وقدمت لنا المؤسسات الطبيية أشياء كثيرة عن كورونا ؛ولكنها لم تتعرض الی هذا الجانب!!
كيف تكون الروحة في أثناء الإصابة؟ بماذا يشعر المصاب؟
سأضعها في نقاط،وأحيط القارئ علما بأني اعتمدت علی إجابات ثلاثين شخصا متعافيا، فضلا عن نفسي وعائلتي،وينحصر سن هذه الحالات بين (30 -65) عاما، وملحوظة أخری أود تثبيتها، هي أن إصابتي كانت في شهر تشرين الثاني 2020 أي بعد زوال الضغط الإعلامي المرافق للجائحة أو ضعفه، فقد كان الناس هذه الآونة مقبلين علی نوع من التعايش مع المرض.
⭕التتمة في الجزء الثاني
https://telegram.me/buratha