في سنة 1977م وما قبلها تم استيراد حفارات بحرية من مناشيْ متعددة لتطوير المجري البحري في شط العرب وشمال الخليج العربي. وحدثت في العراق نهضة لم يعد لها مثيل. اجهضها صدام بحروبه العبثية مع الاسف.
كنت مسؤول شعبة اللحام في معمل ميناء الفاو تلك الفترة , نقوم بأعمال مهمة رغم قلة عدد الكادر الحامين والعمال المساعدين, تم تكليفنا بإزالة قطع حديد مثبته بلحام من سطح الحفارة الخليج العربي , وهي من منشأ الماني .. عادة تربط الادوات الاحتياطية الخاصة بالمكائن ومنظومة الحفر ومكائن توليد الكهرباء , ومنظومة الدفع ( الرفاسات) والاذرع الضخمة التي تديرها وانابيب رمي الطمي ..ومواد مهمة لإدامة الحفارة .. كلها تربط على سطح الحفارة بواسطة زوايا ضخمة مثبتة بلحام يربطون المادة فيها بسلسلة ضخمة.
حين ترفع جميع المواد الاحتياطية , يأتي دور اللحامين لرفع الزوايا من سطح الحفارة . باشرنا عملية ازالة الزوايا بثلاثة لحامين. وهذا العمل فني يستوجب ان يقدر اللحام زاوية ميلان جهاز القطع( الاوكسجين) حتى لا تتجه لبة اللهب الى سطح الباخرة. اتذكر اللحامين عادل علي حسين. وسالم سامي وحميد الاخرس .وعمال مساعدين, عادة نضع بجانبنا سطل ماء ورمل.
يبدو ان حميد الاخرس لم يقدر ميلان ( كتر القطع الاوكسجين) مما ادى الى ثقب في سطح الباخرة( الديك)بفتح الدال وتسكين الياء . ونزلت شرارة الى مخزن الحبال, وتصاعد الدخان ..هنا اشتغلت منظومة السلامة. بدأت منبهات الانذار تدوي بالمكان بصوت عال. لاحظنا خروج دخان من الثقب. ركضنا نحو الباب وكسرنا القفل راينا النار ترتفع في حبال ضخمة خاصة لربط الحفارة وتمكنا اطفاءها بسرعة, حضر كابتن الباخرة والمهندس الخفر, وعدد كبير من الفنيين والعمال, بنفس اللحظة حضر ضابط امن المنشاة, والمدير العام يوسف العامر رحمه الله. قال لي ضابط الامن بعد الانتهاء من تامين سلامة الباخرة تعال عندنا لإكمال التحقيق . اتذكر بعد ان بينت له عملنا وان الحادثة وقعت خطأ غير مقصود . سألني: هل حميد الاخرس فني لحام او عامل غير فني.؟ قلت هو لحام فني ويمكنك التأكد من اضبارته ..
لما رفع التحقيق الى مدير ميناء الفاو . كتب عليه هذا النص( لا يوجد تقصير من العاملين. انما التقصير من ادارتنا لعدم تامين السلامة ). وتقرر الاتي.
1- لا نسمح بالقيام باي عمل لحام او قطع الا بحضور رجل اطفاء يخصصه مدير اطفاء ميناء الفاو
2- لا يسمح القيام بالعمل للحامين الا بعد الايعاز من رجل الاطفاء بعدم وجود ما يؤدي الى اشتعال النيران .
3- يغلق التحقيق ويكتب عليه ( الدائرة هي المقصرة) والعاملون مجدون.
هذا الحادث تذكرته حين رأيت النار تشتعل في مستشفى الحسين في ذي قار وهي تلتهم الناس الابرياء والاموال. تذكرت ان العراق بحاجة الى رجال وليس الى اموال ودعايات ولقاءات فضائية . رحم الله شهداء الناصرية.
الشيخ عبد الحافظ البغدادي
https://telegram.me/buratha