السيد محمد الطالقاني ||
الديمقراطيّة هي فكرة مستجدة على العالم الإسلامي، جاءته من الدول الغربيّة، بعد سقوط الحكومات الدكتاتورية ومحاولة إقامة حكومات شعبيّة مبتنية على إرادة الأفراد, وقد عرّفوها بانها نظام الدولة الذي يُمارس فيه الحكم بالرجوع إلى إرادة الشعب.
وعلى هذا الاساس يحاول السياسيون ان يمرروا رغباتهم وارادتهم عبرهذا المصطلح .
و14 تموز عام 1958 اختلفت الاراء فيها, هل انها كانت مطلبا شعبيا, وثورة ضد واقع فاسد كان يعيشه العراق؟
اما انها انقلاب عسكري حدث نتيجة مطامع سلطوية بعيدة عن ارادة الشعب؟
نحن لانختلف من ان الساسة الملكيين كانوا قد تحولوا تدريجياً إلى طبقة أرستقراطية سياسية همها احتكار النظام السياسي ، بالرغم من انهم كانوا يدركون جيداً عمق أزمة النظام الملكي المفتقرة للاصلاح.
ولكن الذي حدث في الرابع عشر تموز عام 1958, ماهو الا انقلاب عسكري قاده كل من العقيد عبد السلام عارف امر اللواء 20, وشقيقه المقدم عبد الرحمن عارف, و المقدم فاضل محمد علي , والرائد عبد الجواد حامد الجومرد, حيث تم فيه إنهاء النظام الملكي واستبداله بحكم عسكري ,وبعد اعلان بيان الانقلاب من قبل عبد السلام عارف من مقر الإذاعة والتلفزيون, تحرك اللواء 19 بقيادة عبد الكريم قاسم من مقره في ديالى إلى بغداد للالتحاق بالانقلابيون الذين قاموا بتصفية أفراد العائلة الحاكمة، من خلال التحريض على عمليات السحل والشنق وتحويل المواطن إلى «قاتل» من حيث يدري أو لايدري باطلاقهم شعار (ماكو مؤامرة تصير والحبال موجودة) حيث انهم رفعوا الحبال ولوحوا بها لكل من يعارضهم ويحوك المؤامرة ضدهم, حتى وصل الامر الى الاستهتار بالدين وبالمقدسات .
فلا يمكن اذن ان نسميها ثورة, لان الثورة في الحقيقة ما هي الا تغير نظام الحكم بالطرق السلمية, وبتاييد شعبي وجماهيري, وهنا يكون الجيش سانداً لهذه الثورة ضد النظام القائم.
ولكن 14 تموز لم تكن معبرة عن إرادة الامة, بل كانت بمثابة انقلاب عسكري حيث سيطرت مجموعة من أفراد الجيش على الحكم, لذا كان اساسها هشا, حين تخاصم الانقلابيون على الحكم, وانقلب عبد السلام عارف على عبد الكريم قاسم سنة 1963، لانه كان يعتبر نفسه أحق بالسلطة والحكم؛ لأنه هو من نفذ الانقلاب , في حين اخذ عبد الكريم قاسم يستقوي بالحزب الشيوعي على شركائه بالانقلاب, وتكون نهاية قاسم بالقتل على يد رفيق دربه عارف.
واليوم وبعد ثلاث وستون عاما على تجربة الرابع عشرمن تموز, ومااعقبها من انقلابات اوصلت العراق الى ماعليه الان.
اليوم نعيش تجربة سياسية تختلف عن ماسبقها من التجارب, ولكنها تشترك معها في هدف التسلط الحكمي وتجاهل ارادة الامة.
فاليوم العملية السياسية في العراق تقودها مجموعة كتل واحزاب لم تستفيد من التجارب السابقة , فالكل ينادي بالديمقراطية.
ولكن اي ديمقراطية؟
انها الديمقراطية المصممة من أجل رعاية مصالح الأحزاب وساستها وليس من اجل مصالح الامة.
من هنا ارتفع صوت الامة مطالبا باصلاح عطب هذه الديمقراطية, واحترام ارادة الامة.
ان الاحزاب والكتل السياسية مدعوة اليوم لاعادة الثقة بينها وبين الامة بالمطالبة الجدية للاصلاح السياسي, والا سيكون مصير تجربتها السياسية كمصير تجربة 14 تموز وليتعظ المتعظون.
ــــــــ
https://telegram.me/buratha