سعد الزبيدي ||
عندما تتنافس أحزاب السلطة للحصول على الدرجات الوظيفية الخاصة مدير عام فما فوق نتيجة المحاصصة بحثا عن مصادر تمويلها من هذه الدائرة أو تلك ساعتها يتحول المسؤول لأداة للإثراء غير المشروع فهو لا يعمل لأجل مواطنيه ولا لأجل حكومته بل يعمل جاهدا من أجل حزبه الذي أوصله لهذا المنصب والذي سوف يدافع عنه باستماتة إذا ما وجهت إليه تهم بالفساد أو الاثراء على حساب المال العام.
فجع العراقيون عشرات المرات بل مئات المرات في السنين المنصرمة بعد ٢٠٠٣ حيث عهد الحرية والديمقراطية فمن حرب مفخخات وعبوات وكواتم واغتيالات إلى حرب طائفية إلى إبادة جماعية وتهجير وأيام سوداء حصدت أرواح مئات الألوف من العراقيين الأبرياء ودمرت البنى التحتية وكلما حلت بنا مصيبة نسينا سابقتها ولو تجولت في مدينتك وركزت لتذكرت أن في كل شارع وحي وزقاق وسوق هناك كوارث تدلك على وحشية ما واجهه الشعب العراقي.
كانت معظم كوارثنا أمنية وكانت الجهات الأمنية لا تتقن إلا بتضييق الخناق على المواطن بسيطرات لا تسمن ولا تغني من جوع بل تذل المواطن في ازدحامات خانقة تزيد من بؤسه وحرمانه.
ورافق الموت الذي خطف أرواح العراقيين تراجعا في مستوى الخدمات المقدمة للمواطن نتيجة المحاصصة والفساد وسوء الإدارة وعدم وجود جدية في محاربة الفساد وتقديم الفاسدين للعدالة لأن المنظومة السياسية مشتركة جميعها في هذه الجريمة ولن تنجح الجهود مهما تكن جبارة لإصلاح المنظومة الإدارية مع وجود منظومة سياسية فاشلة وفاسدة.
كان العراق كغيره من البلدان التي واجهت جائحة كرونا حيث عمدت الحكومة إلى أسهل الحلول بفرض حظر للتجوال جاء وبالا على رأس المواطن الفقير الذي يعتمد على قوته من عمله اليومي ولم تتخذ الحكومة إجراءات حقيقية لمساعدة ملايين العاطلين عن العمل أو الذين هم تحت مستوي خط الفقر.
وبدل من تستكمل الحكومة المستشفيات التي تم الشروع في بناءها منذ أكثر من عقد من الزمن لجأت إلى بناء مستشفيات عزل من مادة السندويج بنل مع عدم الاهتمام بوسائل الأمان حيث مستشعرات الحرائق أو تركيب منظومات مكافحة الحرائق المبكر مع وجود مادة الأوكسجين التي تعتبر العلاج الأول لحالات الاختناق ونقص الاوكسجين التي يعاني منها مريض كرونا والتي تساعد على الاحتراق مع إهمال واضح من قبل الفرق الفنية في هذه المستشفيات المستحدثة بموضوع مد خطوط الكهرباء بعناية فائقة حتى تمنع العبث بالتوصيلات الكهربائية وتمنع حدوث تماس كهربائي وعدم متابعة اللجان الرقابية والفنية بمتابعة عطب أغلب نقاط الكهرباء في الغرف وعدم الجدية من قبل شرطة حماية المنشآت في منع المرافقين بجلب مواد يتم استخدامها داخل غرف العزل كالطباخات والغلايات والمدافئ الكهربائية وشرارة مهما تكن بسيطة من هذه الأجهزة ستكون كافية لتحويل هذه المستشفيات إلى كومة رماد.
وهكذا تكاتف الفساد والفشل الإداري وعدم تنفيذ القانون وجهل واستهتار البعض بالأنظمة والقوانين واللامبالاة في استشعار الخطر من استعمال ما سيكون أداة في تحويل قنينة الأوكسجين التي هي من المفروض أن تكون سببا في انقاذ حياة مريض إلى قنبلة ستصهر مستشفى بني لاستيعاب مرضي هذا الوباء الخطير ومن الكوارث التي لم نجد لها حلا تكرار حوادث الحريق في المعامل والأسواق والدوائر والمستشفيات والسبب نفسه تماس كهربائي.
سؤالي الذي لم أجد له جوابا هل يعقل أن مدير مستشفى وهو أمين على مرضاه ومعاونيه لا يكلفون أنفسهم في جولات تفقدية لزيارة ردهات المستشفى ومحاسبة قوات حماية المستشفيات التي تسمح بادخال مواد كهربائية ممنوعة أو تفتيش الغرف بدقة والايعاز بمصادرة ومعاقبة كل من يخالف القانون وفي نفس الوقت تثقيف مرافقي المرضى إلى خطورة استعمال الأجهزة الكهربائية في غرف المستشفى مع وجود قنبلة موقوتة اسمها قنينة الأوكسجين ؟
ستلجأ الحكومة حتما لتشكيل لجان تحقيقية وستكون هذه اللجان كسابقاتها من اللجان التي لن تضع اصبعا علي الجرح ولن تكشف المستور عن الفساد ولا تعترف بسوء الإدارة وستلجأ الحكومة إلى استحدام المال واعتبار من مات شهيدا لتذر الرماد في العيون وتمر فواجعنا مرور الكرام.
الرحمة والمغفرة والجنة لمن سقط في واقعة مستشفى الحسين في محافظة ذي قار والصبر والسلوان لذويهم والشفاء العاجل لجميع المصابين.
نتمنى من الشعب العراقي أن يتمتع بنوع من الثقافة في كيفية استخدام المرافق العامة الحكومية منها عموما والمستشفيات خصوصا ولا تتحول من منقذ مرافق لمريض إلى سبب في قتل إبرياء بالاستخدام السيئ لبعض الاشياء الممنوعة وتقيد بالتعليمات فالشعوب التي نتمنى ان نكون مثلها وصلت إلى ماصلت إليه بتنفيذها التعليمات التي تعكس مدى ثقافة الفرد والمجتمع.
كاتب ومحلل سياسي.