المقالات

زجاجة خمر.. رمز التشرينيين الوطني؟!

1458 2021-07-08

 

قاسم العجرش ||

 

الحراك المجتمعي الاحتجاجي، خصوصا الذي يستعمل العنف وسيلة للوصول الى أهدافه، غالبا ما تندفع فيه الفئات المهمشة والهامشية، فئات يلعب المخيال الشعبي لعبته فيها، ترتكز معظم تحركاتها حول بطل ثائر تلوذ به، تمجده وتصفق له، ويقودها في معركتها لنيل حقوقها.. بطل شعبي، يخشاه الجميع ويحتمي به الذين نزلوا الى الشوارع، ليخرج بهم من الهزيمة والانكسار إلى الفوز والانتصار!

الأسلوب العكسي لتشويه الجهة المستهدفة، وتصويرها كشخصيات تافهة؛ ليست جديرة بالمراكز الرسمية التي تشغلها، هو أن تضع قبالتها أشخاصا آتين من قاع المجتمع، وتضعهم في صَفِّكَ كأيقونات وكأبطال ومناضلين وقديسين!

الأبطال الذين تصنعهم لا يخجلون من ماضيهم حتى وإن كان نتنا، ولا من كونهم أبناء بيئات منحرفة، فهذه “حسنات” لصالحك وصالحهم، أن تقول هؤلاء أبطالي الشجعان، أتوا من رحم المعاناة ورحم المشكلات..ودائما في المخيال الشعبي، البطل يتيم، ربته أمه في ظروف صعبة..البيئات المرتاحة لا تنتج أبطالا بل مترفين..ترويج ليس له أساس منطقي،ولكنها تستخدم تشرينيا على نطاق واسع.

البطل الذي تصنعه؛ يحتاج إلى عدو، ويحتاج إلى قوى “الشر”؛ التي سيقف أمامها مظهراً شجاعته وبسالته الفائقة، لا يهم إذا كان من سيقوم بدور الوغد، هو بالحقيقة يستحق العداوة أم لا، ولا يهم إذا كان ما يدور بين البطل والوغد، هو صراع أم صفقة، كل ما يهم هو إقناع الجماهير بأمجاد البطل..!

المعجزة الحقيقية أن تصنع (روبين هود) الجديد، بطلاً من لحم ودم يعيش وسط الناس، ويرونه بطلاً فعلاً ويحكون بطولاته الوهمية بأنفسهم، مثلما يحدثون عن عنترة بن شداد!

البطل يحتاج إلى الهيبة، لهذا كانت أول خطوة هي صناعة الهيبة لـ”أبطال” تشرين، ليس مطلوباً من البطل التشريني؛ أيدخل في حوار أو أن يدلي برأيه في أي شيء، كل ما عليه هو أن يدخن بشراهة، وأن تنظر إلى من يعتبرهم أعداءه بتحدٍّ، ويظل صامتاً، وألّا يظهر على وجهه أي تعابير كأنّه خشبة،

ولأن وجود الأبطال الشعبيين؛ حتى لو كانوا وهميين، يمنح المهمّشين الإحساس بالأمان والدفء الاجتماعي والانتصار الذي يفتقدونه، فإن الخطوة التالية.. هي رسم الشخصية العنيفة النبيلة، القادرة على القتال من أجل المبادئ، فيشاع أن قوات الأمن قد اعتقلته؛ ولكنه استطاع ردعهم وتعامل معهم بكل قسوة، وتركهم مثخنين بالجروح والإصابات، هو بطل شعبي متجهم، ينتصر للمبادئ، ثم إن “البطل” غبي وأحمق عندما يغضب، خصوصاً مع الشباب الذين لا يراعون الأصول التشرينية..!

على الرغم من أنّ شخصية البطل الوهمي الشعبي التي صنعها الجوكر الأمريكي، كانت في البداية على نطاق ضيق، لا يتجاوز المئات من الشباب، إلا أنّ التجربة بحد ذاتها تملك دلالة اجتماعية مهمة، ليمكن اعتبارهم عينة من المجتمع، وبالتالي يمكن تكرارها على نطاق أكبر! صناعة البطل التشريني تزداد طردياً، مع مستوى الصانع والمجتمع المصنوع له.

المهمّشون يحتاجون دائماً إلى بطل شعبي، يشبههم، ويمتلك القوة والقدرة والشجاعة، التي تجعلهم يحتمون به، لا يشغلهم من هو ومن أين أتى، ولا يهمهم إن كان ابن عاهرة مثلا، طالما لا يطالبهم بشيء، ولا يكلّفهم ما لا يطيقون، ولا يعنيهم إذا كانت بطولاته حقيقة أم قصصاً وهمية؟

كلام قبل السلام: البطل التشريني حاجة، تمنح الجموع السائرة بلا هدى، الإحساس بالأمان والدفء والانتصار الذي يفتقدونه، وعلى قدر ما يمنحهم من البطولات، يمنحونه التقديس والاحترام، والمبالغة في تحويله إلى أسطورة وشخصية خارقة، وإن مات وبيده زجاجة خمرة، تتحول الزجاجة معه إلى رمز وطني.!

سلام..

اشترك في قناة وكالة انباء براثا على التلجرام
https://telegram.me/buratha
المقالات لا تعبر بالضرورة عن رأي الموقع
اضف تعليقك
الاسم والنص والتحقق من الروبوت ضروري
الاسعار الرسمية للعملات مقابل الدينار
دينار بحريني 0
يورو 0
الجنيه المصري 0
تومان ايراني 0
دينار اردني 0
دينار كويتي 0
ليرة لبنانية 0
ريال عماني 0
ريال قطري 0
ريال سعودي 0
ليرة سورية 0
دولار امريكي 0
ريال يمني 0
التعليقات
حيدر الاعرجي : دوله رئيس الوزراء المحترم معالي سيد وزير التعليم العالي المحترم يرجى التفضل بالموافقه على شمول الطلبه السادس ...
الموضوع :
مجلس الوزراء : موقع الكتروني لإستقبال الشكاوى وتقديم التعيينات
سهام جاسم حاتم : احسنتم..... الحسين بن علي بن أبي طالب عليهما السلام.جسد اعلى القيم الانسانية. لكل الطوائف ومختلف الاقوام سواء ...
الموضوع :
الحسين في قلب المسيح
Muna : بارك الله فيكم ...احسنتم النشر ...
الموضوع :
للامام علي (ع) اربع حروب في زمن خلافته
الحاج سلمان : هذه الفلتة الذي ذكرها الحاكم الثاني بعد ما قضى نبي الرحمة (ص) أعيدت لمصطفى إبن عبد اللطيف ...
الموضوع :
رسالة الى رئيس الوزراءالسابق ( الشعبوي) مصطفى الكاظمي
فاديه البعاج : اللهم صلي على محمد وال محمد يارب بحق موسى ابن جعفر ان تسهل لاولادي دراستهم ونجاح ابني ...
الموضوع :
صلاة الإمام موسى بن جعفر الكاظم (عليه السلام) لقضاء الحوائج
محمد الخالدي : الحمد لله على سلامة جميع الركاب وطاقم الطائرة من طيارين ومضيفين ، والشكر والتقدير الى الطواقم الجوية ...
الموضوع :
وزير النقل يثني على سرعة التعاطي مع الهبوط الاضطراري لطائرة قطرية في مطار البصرة
Maher : وياريت هذا الجسر يكون طريق الزوار ايضا بأيام المناسبات الدينية لان ديسدون شارع المشاتل من البداية للنهاية ...
الموضوع :
أمانة بغداد: إنشاء أكبر مجسر ببغداد في منطقة الأعظمية
ساهر اليمني : الَّذِينَ إِن مَّكَّنَّاهُمْ فِي الْأَرْضِ أَقَامُوا الصَّلَاةَ وَآتَوُا الزَّكَاةَ وَأَمَرُوا بِالْمَعْرُوفِ وَنَهَوْا عَنِ الْمُنكَرِ وَلِلَّهِ عَاقِبَةُ الْأُمُورِ ...
الموضوع :
السوداني : عاشوراء صارت جزءا من مفهومنا عن مواجهة الحق للباطل
هيثم العبادي : السلام عليكم احسنتم على هذه القصيدة هل تسمح بقرائتها ...
الموضوع :
قصيدة الغوث والامان = يا صاحب الزمان
فيسبوك