د. علي المؤمن ||
خلال العام 1999 كنّا في زيارة الى متحف الشهداء في الجزائر، وكان نشيد "موطني" يصدح في القاعة الأصلية؛ فتذكرت نهاية الستينات والسبعينات حين كنّا في العراق نتغنى بالنشيد ونحن أطفالاً في المرحلتين الإبتدائية والمتوسطة.
قلت لمرافقنا الجزائري: هذا النشيد الوطني السابق لفلسطين والأردن؛ فقال: نعم؛ واستعرناه منهم ليكون أحد أناشيد الثورة الجزائرية.
وجدت ذلك طبيعياً؛ لأن الجزائريين يستخدمونه نشيداً شعبياً وثورياً، وليس نشيداً وطنياً رسمياً؛ لأن الدول لاتستعير الأناشيد الوطنية الرسمية للدول الأخرى وتستخدمها نشيداً لها؛ بل تعتمد أناشيد لشعرائها تتمثّل بيئتها المحلية وواقعها وتاريخها وحضارتها؛ بل حتى في اللحن؛ تعتمد الخصوصية الموسيقية المحلية. وبالتالي فما يحدث في العراق شيء غريب؛ والعراق هو موطن الشعراء والمنشدين!!
بعد مرور 18 عاماً على سقوط النظام البائد؛ لاتزال الدولة العراقية تستخدم نشيداً وطنياً رسمياً مستعاراً من فلسطين، وترفع علماً بعثياً ( علم حزب البعث، وعليه عبارة حق أراد بها صدام باطلاً)، وتتمسك بشعار النسر الذي هو شعار صلاح الدين الأيوبي الذي رفعه بعد إسقاط الدولة الفاطمية في مصر ودفن مئات آلاف العلويين في المقابر الجماعية.
ولاندري ماهو سر إستخراج النشيد الوطني الفلسطيني من بين الركام، وهو يعود الى العام 1934، واستغنت عنه دولتا فلسطين والأردن منذ عشرات السنين؛ ليعود نشيداً وطنياً مفروضاً على العراق؟! ومن هو صاحب هذه الفكرة ؟! وماهو سر الإصرار على الإبقاء عليه نشيداً وطنياً رسمياً للعراق ؟!، ومن المسؤول عن إفشال عمل اللجان الحكومية والبرلمانية التي تأسست بهدف إقرار علم جديد ونشيد جديد وشعار جديد؟! وجميعها أمور سيادية أساسية.
كما لاتزال الدولة العراقية تصر على رمزية سفاحين دوليين كالرشيد والمنصور وصلاح الدين، وتسمي الشوارع والأماكن العامة والمدن بأسمائهم، وترفع لهم النصب والتمائيل، وتغطي على طائفية وعنصرية المناهج الدراسية؛ ولاسيما مناهج التاريخ والدين. وليس هناك شك في أن انهزامية بعض المسؤولين الشيعة وضغط بعض السنة؛ سيحوِّلا صدام حسين مستقبلاً الى رمزية وطنية للعراق .
سيقول بعض المعترضين أن هناك موضوعات أهم بكثير من العلم والنشيد الوطني وشعار الدولة ورموزها؛ كالإرهاب التكفيري، واختراقات البعثيين، والفساد الإداري والمالي، ومشاكل الخدمات والإعمار، وانفصال شمال العراق، والدستور الملغوم، والمحاصصة الطائفية والقومية، وتآمر أمريكا وإسرائيل والسعودية وتركيا وقطر ضد العراق. نعم؛ هذه الموضوعات أكثر أهمية بكثير. ولكن هل هناك تعارض وتضارب بين معالجة الموضوعات المهمة والموضوعات الأكثر أهمية ؟!
وإذا كانت معالجة الموضوعات الأكثر أهمية؛ أمرٌ صعب، وبحاجة الى وقت، والى موازنات سياسية ومالية، وخبرات تراكمية، ومقاربات فكرية عميقة؛ فإن معالجة الموضوعات الأقل أهمية، كالنشيد الوطني والعلم والشعار والرموز الوطنية والمناهج الدراسية؛ ليس صعباً بالمرة؛ فهي لا تحتاج الى موازنة ولا الى قوات مسلحة ولا معجزة إقتصادية وسياسية وعسكرية، بل لا تمثل ـ في الحد الأدنى ـ تحديات وطنية طويلة الأجل وباهضة الكلفة، كتحديات الإرهاب والفساد والكهرباء.
https://telegram.me/buratha