قاسم العجرش ||
أتذكر وتتذكرون حفلات الردح، التي كان يستقبل فيها “صدام” الطاغية المهووس بجنون العظمة، شرائح مختلفة من العراقيين، شعراء شعبيين وشيوخ عشائر، وشعراء قريض، وأدباء وفنانين ونساء”ماجدات”…وضباط الجيش وقادته، قبيل بدء التحالف الدولي بالهجوم على العراق عام 2003، و”عفية” وسلملي على “الويلاد”..
بالمقابل كان فيه ضباط الجيش، يقدمون فرض الطاعة باستذلال ومهانة، مدعومة بأن أحدهم رأى”السيد القائد” يتناول طعام العشاء مع نبي الله سليمان عليه السلام، وأن بلقيس عرضت نفسها زوجة لصدام؟! هههههه لا تسمعك أم حلا..!
“الرئيس” الذي صبغ شاربه الكث وشعر رأسه باللون السود الفاحم، ليبدو أقل عمرا وأقوى، كان يجلس على منصة عالية، وبيده سيكار كوبي فاخر، والأحاديث المملة عن الانتصار القادم، وعن هزيمة “العدوان” الغادر على يد “النشامى”..وقتها كان “النشامى” الذين لا يجدون طعاما، يرتدون ملابس عسكرية متهرئة، ويحملون بنادق كلاشنكوف صدئة، و”الرئيس” يقول: إني أرى النصر رأي العين،و”يا حوم إتبع لوجرينا”.
انتهى النصر في حفرة، وخلع الضباط رتبهم، وعطف عليهم السكان المدنيون بملابس مدنية، ويمموا وجوههم صوب بيوتهم، مُؤْثرين السلامة وليجدوا أطفالهم يتضورون جوعا..وفتح الأمريكان بغداد بدبابتين فقط، واحدة وقفت أمام جامع أم الطبول في الكرخ، والثانية توغلت في بغداد الخالية من الجيش، ووقفت فوق جسر السنك، وأطلقت قذيفتين على فندق شيراتون وميريديان، فقد تبخر الأشاوس، واتضح أن عددا كبيرا منهم كان على اتصال وثيق بالأمريكان، وأنهم شركاء في تسهيل احتلال العراق.. كان الصحاف يومها على بعد 100 متر في وزارة الإعلام، يشتم “العلوج”.
نظام ما بعد صدام كان متسامح جدا مع الهاربين، وفتح الجيش الجديد أذرعه لهم بأريحية عالية، وبسرعة تسلقوا الرتب العالية، واحتلوا المناصب الرفيعة، فالبلد لا بد أن يكون له جيش محترف، والرجال محترفون ويمتلكون تأهيلا جيدا، وتكوينا تأطيريا حسنا، لكن “بعضهم” ما زال على سيرته الأولى..!
في معركة العراقيين مع الدواعش، احتاج العراق إلى أن يعبيء الشعب نفسه، في ملحمة قادتها المرجعية الدينية العليا، باقتدار عالٍ بفتوى الجهاد الكفائي، وأفرزت تعبئة الشعب العراقي واندفاع الرجال، قوة عقائدية جهادية استطاعت إيقاف تداعيات سيطرة الدواعش على مساحات واسعة من شمال وغرب العراق وأستذكر معكم صورة الشباب العراقيين يتدافعون المناكب، يصعد أحدهم على كتف الآخر إلى ظهور الشاحنات، فيما يشرف عدد من الضباط والجنود على إركابهم!
خلال الأيام الأولى بانت ملامح النصر، وتنفس العراقيون الصعداء، وخلال ثلاث سنوات انتصر الشعب وكسرت شوكة داعش..لقد كانت ملحمة كبرى استعاد فيها العراق كرامته وأرضه، وكان شباب الفتوى الذين بات اسمهم الرسمي “الحشد الشعبي” رأس النفيظة، ولولاهم ولولا شهداؤهم وجرحاهم ( أكثر من عشرة آلاف شهيد، وخمسة وثلاثين ألف جريح، بينهم أعداد كبيرة فقدت أطرافها أو حصلت لهم إعاقة دائمة)..لما تحقق الانتصار..
هذه المرة لم يُقصِّر الجيش، ولا الشرطة الاتحادية وباقي الأجهزة العسكرية والأمنية، أبدا وقدموا أداءً جيدا ،وتضحيات يشهد بها كل منصف، لكن النصر كان له عنوان هو الفتوى ورجالها..نقطة رأس سطر.
“الحشد لم يحرر العراق، ومن يقول غير ذلك مخطيء، لأنه أسهم في تسريع عمليات التحرير فقط” شكرا لمن قالها فقد نبهنا على حقيقة يعرفها كتاب التأريخ جيدا، فقد اعتادوا أن يجدوا في طريقهم من ينظر إلى الأمور بعين واحدة، ويقول ما يتمناه لا ما هو حاصل فعلا.
كلام قبل السلام: مع أن هذا القول صادر من رجل ذي منصب رفيع، يفترض فيه أن يكون منصفا، وأن ينطق بالحقائق كما هي، لأننا في عصر لم يعد فيه إغفال الحقائق ممكنا، إلا أن هذا التعاطي مع الانتصار وصناعته ورجاله، وهي كلها موثقة جيدا، يكشف أن المراد محو سجل المجد العراقي، لأنه يغيض كثيرين..!
سلام..
https://telegram.me/buratha