د. جهاد العكيلي*||
تعد ظاهرة تسلق المناصب واحدة من الظواهر المخيفة في عراق ما بعد عام الاحتلال الامريكي 2003 وحتى الآن، وأقول مخيفة كونها تسببت في تدمير النظام المؤسساتي المالي والاداري، وزحفت بتدمير هذا النظام الى أدنى المفاصل الوظيفية بدءً من منصب الوزير في عملية هي اقرب للبيع والشراء بخلاف ما كان معمولا به في الدولة العراقية على مدى سنوات طوال سبقت عام الاحتلال ..
ومن الطبيعي القول أن ظاهرة تسلق المناصب كانت ولا تزال ذلك النتاج السلبي للنظام المحاصصي القائم منذ عقدين من الزمن الذي مضى على عمر الحكومات العراقية لكنها إشتدت مؤخرا حين صارت بورصة تخضع لمزاد علني، وذلك أمر معلن صرح به اكثر من مسؤول، وهو ما تسبب في تدهور الواقع التنموي في العراق ومنه تدهور الصناعة والزراعة وغياب تام تمثل في عجز الحكومات عن تقديم أي نوع من انواع الخدمات للمواطنين بسبب إفتقار المتسلقين للمناصب أي خبرة او إختصاص مهني وأكاديمي ..
ومما يقلقنا حقا، نحن اهل الاختصاص‘ ان هذه الظاهرة أصبحت سلوكا وأمرا واقعا إنعكس على الدور الذي يجب ان تؤديه الدولة لخدمة المواطنين على أسس علمية وقياسات نوعية وضوابط مهنية وخبرات وتجارب الحياة في مجالات متعددة ..
وبخلاف ذلك، فأن عدم تصدي الحكومة لهذه الظاهرة المخيفة بالاستعانة بأهل الخبرة والاختصاص فإنها ستتفاقم بشكل اكبر واوسع من ذي قبل، ذلك ان المتسلقين سيتمادون اكثر ظانين ان تسيير الامور وفقا لامزجتهم وأهواءهم الشخصية هي الحل الامثل لتلبية الولاءات وتبادل المنافع على حساب المصلحة العامة للبلد وخدمة المجتمع ..
ومن المؤسف حقا هو عدم التفات الحكومة لتهافت هؤلاء المتسلقين للمناصب يشكل غير مسبوق للحصول على شهادات عليا لغرض إستخدامها كجواز عبور للتغطية على فشلهم او للحصول علي المنصب وإبقائه حكرا لهم أو للجهات المساندة والمنتفعة منه ماديا، فأصبح الطامحين او هواة المناصب لا يهمهم ان يسحقوا من يقف بطريقهم وبأي ثمن كان بل وبأي طريقة والهدف طبعا تسقيط وتشويه الآخرين من ذوي المهنة والاختصاص لا سيما منهم حملة الشهادات الحقيقية واصحاب الكفاءة العالية حتى يبقى هؤلاء المتسلقين هم اسياد القوم كما يتقولون ويدعون ويشيعون ذلك بين صفوف المجتمع او بين اوساط عامة الناس ..
ان ظاهرة التسلق الوظيفي هذه رافقتها ظواهر غريبة وعجبية اخرى ظهرت في عراق اليوم تسببت حتى تسببت في احداث تغيرات غير صحية في السلم الوظيفي والمهني وأصبحت لا تشبه ما كانت عليه الوظيفة العراقية ايام زمان ، إذ كانت الوظيفة تحتفظ بهيبتها وسلطتها القانونية في المجتمع، وكانت تتسم بالجدية والاخلاص بالعمل والتفاني لخدمة الوطن التي من خلالها تترسخ القيم الوطنية التي يتغنى بها العراقيون في حبهم للوطن، غير ان ظاهرة القفز على المناصب وبكل الاساليب والطرق المبتكرة للوصول لهذا المنصب او ذاك ذوبت معها الهوية الوطنية وحب العمل والاخلاص فيه، فتجد المسؤول القافز على المنصب هو يسرق مال الدولة المخصص لبناء البلد الذي يفترض اظهاره بأحسن حال سواء أكان في بناء مستشفى أو تبليط شارع او اعمار مؤسسة خدمية او حضارية، بل حتى ان القائم منها صارت مشوهة الشكل والمضمون، ما جعل المواطن ان ينفر حتى من إسم بلده بسب الاستحقاقات غير المشروعة لأناس مشوهين قيميا في الكفاءة والنزاهة وهم يتربعون على مواقع الدولة ويسيسون المؤسسات مثلما يريدون وفقا لذواتهم المريضة التي لا هم لهم إلا هم جمع المال بطرق غير مشروعة والحصول على الجاه والمناصب على حساب حقوق المواطن الذي يطمح للعيش بأمن وكرامة ..
ان هذه الظاهرة التي رسختها قيم المحتل وأتباعه لاستنزاف العراق من مواردة وجعله نخلة خاوية بعد أن كان باسقا بثمار ها وتدر بثمارها للجميع ويأكل منها الفقير والغنى على حد سواء ..
/ كاتب عراقي
https://telegram.me/buratha