قاسم العجرش ||
من المؤكد أن جميع التظاهرات والاحتجاجات التي حدثت في العراق، خصوصا في السنوات الثلاث الأخيرة، لم تكن قد حصلت على أذونات رسمية من الجهات المختصة، مع ما يرتبط بالأذونات من اشتراطات حددها القانون، كأن يتعين تقديم قائمة بأسماء المشرفين على هذا النشاط المشروع دستوريا، وعدد المشاركين فيه ومسار تحركهم ووقت ابتدائه وانتهائه، وما هي أهداف التظاهر؛ والغرض من هذه الشروط هو تأمين الحماية للمتظاهرين والممتلكات العامة، وضمان عدم تعطيل الحياة العامة والنظام العام، فضلا عن تحديد جهة مسؤولة يمكن التحدث معها.
مع أن حق التجمع والتظاهر السلمي مكفول دستوريا، إلا أن هذه الشروط تبدو نكتة سمجة؛ بالنسبة للجهات القائمة بالتظاهرات والاحتجاجات، فهي تتعامل معها باستهزاء وإنكار واضحين، ولم يحصل أبدا أن قدمت جهة ما طلبا للتظاهر، وهذا يؤشر إلى أن هذا النوع من الحراك والقائمين به وعليه، لا يمتلكون ثقافة الاحتجاج السلمي ابتداءً، فضلا عن أنهم لا يعترفون بالنظام القائم، ويعتبرونه عدوا وليس خصما.
كان واضحا منذ البداية، أن عدم تحديد الأهداف بوضوح، وتجزئة المطالب وكثرتها، وتحويل المتظاهرين من حركة احتجاج موحدة ذات مطالب محددة، الى “جزر” كثيرة في أرخبيل يموج بالاضطرابات، وتحويل الاحتجاجات والتظاهرات، إلى “وضع” دائم في حياة العراقيين، يعني أن الأهداف ليست مطلبية، فمواضيع مثل البنى التحتية والكهرباء، أو الفساد أو البطالة وفرص العمل، كانت أمورا ثانوية أمام الهدف الحقيقي للاحتجاجات.
الحراكيون ينتقدون ويطلبون التغيير لكنهم لا يقدمون بدائل، ولا يملكون حتى قيادة للتفاوض، ووقائع الأحداث وانكشاف الغطاء، عن الأدوار التي لعبتها أجهزة مخابرات دولية وإقليمية في تأجيج الأوضاع، تخطيطا وارتباطا وتوجيها وتمويلا، فضلا عن تزامن هذا الحراك مع نشاط واسع في المنطقة، أفضى إلى إعلان صفقة القرن، وتطبيع عدد من الدول العربية مع الكيان الصهيوني، يكشف أن هنالك مستويين من الأهداف لحركة التظاهر والاحتجاجات في العراق.
المستوى الأول هو تغيير النظام السياسي القائم، لأنه نظام “لم ينجح” في تلبية حاجات المواطنين، نقول “لم ينجح” ولم نقل “فشل”، فالنجاح هنا نسبي؛ بنفس القدر الذي يمكن وصف الفشل؛ بأنه نسبي أيضا، لأننا لا يمكننا النظر بعين واحدة؛ إلى ما حققه النظام السياسي القائم، دون النظر إلى الظروف الصعبة التي أحاطت به، وأولها وليس آخرها الإرهاب الذي اتضح أنه صناعة أمريكية، وجزء من مخطط تركيع أنظمة المنطقة، توطئة لتحقيق الهدف الأكبر والنهائي.
المستوى الثاني وهو الإتيان بنظام سياسي عراقي حاكم، منسجم تماما مع المخطط الصهيوأمريكي عربي، بتركيع الأمة كلها، ومع أن التغيير قد حصل، وتم إبعاد القوى التي كانت متصدرة للمشهد السياسي العراقي بطريقة ناعمة، إلا أن الحكومة القائمة ليست هي التي يريدها الأمريكي، فهي بالنسبة له مجرد محطة لا غير، على طريق الأهداف التي رسمها.
هذا التصور، وإنشاء التشارنة أحزابا لغرض المشاركة في الانتخابات، ثم إعلانهم مقاطعتها منذ الآن، يدفعنا إلى القول إن الانتخابات القادمة تواجه وضعا معقدا، ومصيرا مجهولا، وهي تقف على كف عفريت.
كلام قبل السلام: الدلائل أكثر من أن تعد، على أننا سنواجه صيفا ساخنا في الأيام القادمة، وأن حركة الاحتجاجات ستندلع مجددا؛ وإنْ بزخم أقل، خصوصا بعد أن وقف العراقيون وقفتهم المشرفة، إلى جانب إخوانهم الفلسطينيين، في معركتهم لنيل حقوقهم، وهو أمر لا يعجب قطعا دائرة الشر الأمريكية الصهيونية العربية، ولا يعجب أذنابها المتصهينين في العراق، وسينتقل التشارنة من الشعارات التغييرية، إلى شعار أهلا إسرائيل، وسيُسْفِرُ كلٌ عن وجهه..!
سلام..
https://telegram.me/buratha