د. نعمه العبادي ||
شكل الإحتلال الصهيوني لفلسطين عقدة مستحكمة، ليس للفلسطنيين والعرب فحسب، وإنما لكل العالم، من لم يرتضيه ومانعه ووقف بالضد منه أو من تماهى معه وسانده، وجوهر هذا التعقيد ناشيء من طبيعة إنموذج الإحتلال الإسرائيلي، فقد كانت الإحتلالات الأخرى، تتمثل في دول تغزو أو تنزو على دول ووجودات أخرى، وتبسط سيطرتها (قهراً) عليها مع الإقرار بوجود الإثنين (فاعل ومفعول الاحتلال) إلا في الحالة الفلسطينية، فالغاصبون شتات متفرق، إستقدم من كل دول العالم، تم إستقطابهم بوعد مزعوم وسردية مفتراة لا سند ولا حقيقية لها، وبتواطؤ عالمي، لينتزعوا وطناً قائماً، معروفاً ومعرفاً، إذ يراد افراغه تماماً من شعبه، ليستحله هذا الشتات القادم من البقاع المختلفة ويطرد أهله، ثم يصبح (هذا السلب الفج) دولة معترف بها، يفاوضها العالم المتواطئ معها أو الخانع لظلامتها للحصول على بعض الشرعية لأهل الوطن الأصليين.
تتبادل كل الأطراف تهم المسؤولية عن هذا الإحتلال البغيض، وتقدم كل جهة سنداً لموقفها إلا أني لم أعثر على رصد شامل وعميق يحدد جهات المسؤولية بوعي يتجاوز فكرة الفاعل المباشر، وهو ما يقوم به هذا النص الذي يحاول العودة إلى الجذور والبحث في ما وراء الظواهر ليضع قائمة لا يدعي أنها تامة كاملة، إلا انها تضع في المسؤولية جهات وأطراف وقضايا قلما يتم التطرق لها، كما انها تعتمد محددات خاصة بها في رسم إطار المسؤوليات، وعلى هذا الأساس يكون المسؤول عن هذا الاحتلال البغيض وإستدامته وبقائه كل من الآتي:
١- الإنحراف اليهودي الذي بدل شرعة موسى عليه السلام، ونسج عقيدة باطلة رفعت اليهود على أعناق أهل الارض، ومنحتهم وعوداً لا حقيقة لها مطلقاً.
٢- التواطؤ المسيحي الذي برء المتآمرين على السيد المسيح عليه السلام، والذي ألحق التوراة المفتراة بجزأها الأكبر في الكتاب المقدس ثم ألزم المسيحيين بها وبمضمونها.
٣- المسيحية الصهيونية التي ساندت وباركت وأيدت المشروع الإسرائيلي، وأعطته صبغة عقائدية دينية، ورفعته إلى رتبة المسؤولية الشرعية والأخلاقية على عاتقها.
٤- الأطراف المسيحية الأخرى التي تماهت مع المشروع وقبلت به، ونظرت إليه كفرصة خلاص من اليهود غير المرغوب بهم، وكذلك نحو من التخادم المصلحي المتبادل.
٥- الإنحراف الإسلامي الذي أجهز على المشروع الرسالي المحمدي، وحول الدين إلى ملك عضوض، يتعاقب على أمرته الفسقة، والذي تواطئ مع الانحراف اليهودي ومن سار على خطاه بحيث عطل فرصة حاكمية الإسلام الاخلاقية، وفرق المسلمين، وسمح للأغراب أن يستبيحوا أوطانهم.
٦- الإمبريالية العالمية وقوى الإستكبار الشيطانية التي حولت السردية اليهودية المزعومة إلى حقيقة سياسية، تم تنفيذها بدعم سخي وحماية مستميتة وتضليل للشعوب والمجتمعات.
٧- المؤسسات الأممية والدولية وفي مقدمتها الأمم المتحدة ومجلس الأمن التي ساهمت في شرعنة وتبرير الاحتلال، والاعتراف به كدولة، والمراوغة والدجل في المواقف والقرارات التي تقف بالضد منه أو تدينه.
٨- الأنظمة والحكومات والتوجهات الأيدلوجية التي هيمنت على البلاد العربية في صيغ شمولية ظالمة، عطلت قدرات الأمة، وأشغلتها في معارك وهمية وحاجات العيش والحياة، وحولت مواقفها إلا بيانات صوتية لا قيمة لها.
٩- الجامعة العربية ومنظمة العمل الاسلامي والمؤسسات المماثلة التي مثلت سلك تسريب لشحنات الغضب الشعبي والمواقف الشجاعة من خلال التسويف وتحويل الموضوع الفلسطيني إلى سطر باهت مثبت في ذيل كل بيانات قممها.
١٠- القيادات الفلسطينية من كل الأطراف وعلى طول تأريخ القضية، وهي صاحبة الوزر الأكبر والجناية الأعظم، والتي حولت فلسطين إلى ضرع إحتلاب شخصي من خلال جمع المساعدات وتبديدها في فساد شخصي لا نظير له، وكذلك في سعيها لتقسيم الشعب الفلسطيني، وتعطيل قدراته، وإلغاء دور أهل المهجر، بل والتواطؤ مع العدو والسمسرة له في عشرات النماذج القبيحة، والإستمرار في الانانيات الحزبية والجهتية والشخصية دون أدنى اهتمام بأهلهم وقضيتهم.
١١- السكوت الشعبي الفلسطيني على مهزلة إنقسام فلسطين بين غزة والضفة، والسماح للكثير من القيادات المتآمرة على فلسطين وقضيتها باللعب بمقادير الأمور، وإبقاء الاحتلال بل تعطيل حتى الحلول ذات السقوف الدنيا من المكاسب.
١٢- دول عربية تزعمت ملف التفاوض، ودخلت كطرف رئيس في الموضوع الفلسطيني، والتي ساهمت في تذويب الامور وتحويل مكاسب السكوت على المحتل إلى ضمانات إمبريالية لحماية عروشها وأنظمتها.
١٣- الماكنة الاعلامية المضللة التي حرفت الحقائق وزيفت الامور، واستمرت في دعم السردية الإسرائيلية الكاذبة.
١٤- الجهات والدول الراديكالية التي حولت مقاومة الاحتلال إلى خطاب ترغيبي للكسب الداخلي، وتحويل مفردات القوة في الأمة الممانعة إلى شعارات استعراضية لم تلمس من الاحتلال شعرة، بل أعطته المسوغ للمزيد من العنف.
١٥- جوقة المطبعين والمنبطحين والسماسرة وخصوصا الجيل الاخير الذي أخذ على عاتقه تنفيذ ما يسمى بصفقة القرن، والذين أصبحوا الاخطر في هذه القائمة.
ان هذه القائمة المفتوحة تسمح بكل إضافة موضوعية تشخص أصحاب المسؤولية، وتهدف إلى تقديم تعريف شجاع وشفاف لما يجري في منطقتنا منذ أكثر من قرن.
https://telegram.me/buratha