قاسم العجرش ||
في اللحظة التي أطلقت طائرة MQ-9 Reaper الأمريكية المسيرة، صاروخيها على السيارة التي تقل الشهيدين أبو مهدي المهندس وضيفه قائد فيلق القدس السردار قاسم سليماني، شرع التأريخ بإعادة بناء حيثياته ومعطياته، وتشكل مشهد جديد بسيناريوهات متعددة، بعض هذه السيناريوهات ينسجم مع اشتراطات العقل، وبعضها الآخر مجرد تهويمات فارغة، فيما بعضها الثالث ليس أكثر من افتراضات؛ سربت لخدمة أحلام صاحب الدرون الغبي!
من يقرأ التأريخ الأمريكي، وهو تأريخ قصير يمكن استيعابه بسهولة، كما يمكن استخلاص محركاته ومعطياته ومآلاته، بقليل من الجهد، سيتأكد ومنذ القراءة الأولية، أن الولايات المتحدة الأمريكية بلد يعيش بميكانيزمات تصلح لأمريكا فقط، لأنها لا تشبه ما بنيت بواسطته الدول الأخرى، وأن عقيدة الغاية تبرر الوسيلة، وهي إحدى العقائد اللا أخلاقية؛ هي السائدة في الحياة الأمريكية، على الصعيدين الداخلي والخارجي.
داخليا، ومع أنه يعطي مؤشرات على نوعية العقل الأمريكي، لكن لا يهمنا الأمر كثيرا، وعسى نارهم تأكل حطبهم، لكن ما يهمنا هو علاقة أمريكا مع الشعوب الأخرى، ومنها علاقتها معنا؛ معنا كعراقيين، وكمسلمين وكعرب، أقصد عرب “مو” عربان..!
أمريكا وعلى مر تأريخ علاقتها مع الشعوب، كانت غالبا ما ترسم نهايات سيئة لتلك العلاقة بيدها، مرات من حيث لا تدري ولا تريد، ومرات أخرى من حيث تريد وتدري!
في علاقتها مع اليابان وأوروبا، كان الاستعلاء والغطرسة، وسائل لفرض النفوذ والهيمنة الاقتصادية، لكن المحصلة أن اليابان وأوروبا اليوم، متفوقون على أمريكا التي باتت تحتاجهم وقلما يحتاجونها، وبالتالي تحولت إلى نمر من ورق..
دول جنوب شرق آسيا شقت طريها إلى النمو الاقتصادي، فيما بقيت أمريكا تستعرض عضلاتها الفارغة هناك؛ بمجون لا يلتفت إليه أحد!
الصين والهند عمالقة النمو الاقتصادي، ها هما يخرجان سراعا، من الفقر المدقع إلى الازدهار، مع نقاط متقدمة كثيرة لصالح الصين..الأمر الذي قزم الاقتصاد الأمريكي، ووضعه في أزمات وعراقيل وتراجع غير مسبوق.
أمريكا استطاعت تفكيك الاتحاد السوفيتي السابق، لكن الدب الروسي؛ رجع كقوة عالمية عسكرية ضاهت أمريكا!
عربيا، فإن علب الإسمنت المبنية على حافات الرمال، دول الجزيرة والخليج العربية، صحت على حقيقة مؤلمة، وهي أنها إذا لم تدفع ثمن الحماية الأمريكية لا حياة لها، لكن الأمريكان راحلين عنها لامحالة، لأن بلادهم بدأت بالانهيار، ولذلك تلفتت تلك الرؤوس التي تعلوها الغتر الحمر والعكَل الرفيعة، يمنة ويسرة باحثة عن بديل لأمريكا، فنصحتهم أمريكا بأن يلتجئوا إلى إسرائيل، وصورت لهم أن إسرائيل قوة لا تقهر، لكن الحصيلة الكارثية على أهل الدشاديش البيض، أن إسرائيل توشك هي الأخرى على الانهيار، ووجد العربان أنفسهم في ورطة، وأن عليهم أن يهبوا لنجدة إسرائيل، التي وضعوا مفاتيح قصورهم بيدها!
إسلاميا، إيران وعلى الرغم من حصار قاسٍ لأربعين عاما، إلا أنها تقف الآن متوازنة قوية، يحسب لها العالم ألف حساب، وها هي أخيرا مستثمرة للحظة تأريخية نادرة؛ مرغت الأنف الأمريكية في فلسطين، بطريقة لم يحسبها أي من منظري الاستراتيجية الأمريكان، وهم الذين كنا نخاف تنظيراتهم المرعبة!
عراقيا، لم يحسبها الأمريكان جيدا، وبدلا من أن يفتتوا العراق في 2014 كما أردوا، إلا أنهم وجدوا فعلهم هذا أدى إلى أن يبنى في العراق؛ جدار صلب بعد2014، تحطمت على أحجاره كل خططهم الشريرة!
كلام قبل السلام: سنحتاج إلى وقت لنشهد زوال إسرائيل ورحيل أمريكا، لكن مدى النظر أقرب كثيرا من الأفق، وسيعض الأمريكان أصابع الندم ،على ما فعلوه في ليلة 3/1/2019، وها هي الكف المقطوعة في تلك الليلة تصفعهم بقوة في فلسطين..!
https://telegram.me/buratha