ضحى الخالدي
مما لا يخفى على أحد، فقد لعبت الجمهورية الإسلامية في إيران الدور الأبرز في دعم كل فصائل المقاومة في المنطقة، ولولا هذا الدعم لفصائل المقاومة الفلسطينية وللقضية الفلسطينية ابتداءً من إعلان يوم القدس وليس انتهاءً بسفن السلاح والخبرات العسكرية والدعم الذي قدمه الشهيد القائد الجنرال قاسم سليماني لَمَا وصلت قوى المقاومة الى هذا المستوى من تغيير معادلة الردع، وقلبت الواقع رأساً على عقب، وإن الحتمية التأريخية تنبئ بزوال هذا الكيان الغاصب إِنْ بسبب هشاشته الداخلية، أو على يد المقاومة المتنامية داخل أرض فلسطين وخارجها، إضافة الى فقدان الصهاينة الدعم والتعاطف الدوليين اللذين فقدوهما في السنوات الأخيرة بسبب تكشّف سياساتهم الاستيطانية التوسعية والإرهابية العنصرية، يضاف الى ذلك انحسار الدور الغربي عن المنطقة ولا سيما الدور الأميركي الساند والمؤازر والحامي.
كل الأنظمة التي لحقت بركب التطبيع مصيرها الزوال ولن تبقى سوى الشعوب الحرة الأبية التي عبّرت عن رفضها لسياسات العدو الصهيوني ومؤازرتها للشعب الفلسطيني في بغداد وبيروت وصنعاء ودمشق وعمّان سواءً في المظاهرات الحاشدة أو على منصّات التواصل الاجتماعي، وقد نشهد فعاليات في عواصم أخرى في قابل الأيام، والتي ربما يقف حائلاً دونها الخوف من تغطرس الأنظمة الدكتاتورية وممالك الملح والرمال والدم، والتي لن تحصل الا على العار والشنار بين شعوبها، ولن ينظر لها العدو إلا ككلاب أليفة، أو قطيع من الأغبياء والخونة.
الحكومات العربية اليوم في موقف محرج لبعضها فلاذت بالصمت، واخرى عبّرت عن وقاحتها بتقديم الدعم العسكري والاقتصادي والإعلامي لكيان العدو خلال المنازلة الأخيرة لا سيما حكومتا الشر في الإمارات والسعودية.
يبدو خطاب السيد رئيس مجلس الكاظمي حول الأحداث في فلسطين بادرة طيبة يمليها الواجب وإن كان خجولاً، لكن الأهم هو بيان المرجعية الواضح بوجوب الوقوف الى جانب الشعب الفلسطيني.
تتوقف مشاركة فصائل المقاومة في لبنان وسوريا واليمن والعراق على تقدير الموقف وانتظار ساعة الصفر أو التهدئة، وكما هو معلوم هي فصائل تعتمد الفتوى والإذن الشرعي قبل الشروع بأي عمل جهادي، وأعتقد أن كل مقاومي الأمة الإسلامية على أحرّ من الجمر للتقدم نحو القدس، ولكن لكل حادث حديث، ويبقى احتمال تحول المواجهة مع غزة والمناورات الشاملة الفاشلة الى حرب شاملة وارداً، وباعتقادي فإن محور المقاومة نجح نجاحاً باهراً في إفشال هذه المناورات الخطرة وجرّ الكيان الصهيوني الى حرب لم يكن مستعداً لها بهذه الطريقة، فقد سحبت من تحت قدميه بساط الاستباق، وأفلت من يديه زمام المبادرة.
وقف الإعلام الخليجي الإماراتي- السعودي موقف الخزي من هذه المنازلة التأريخية، فيما حرص إعلام المقاومة على دوره التأريخي وقد أبدعت قناة الميادين في تغطية الأحداث منذ انطلاق شرارتها الأولى، وكذلك قنوات الاتجاه والأيام والعهد، وشهادتي بحق قناة المنار مجروحة، فيما لاذت قنوات الحياد بالصمت والتعتيم لتظهر الوجه الحقيقي للحياد في أوقات المواجهة: ألا وهو الخيانة.
سواءً أدّت هذه المنازلة مؤدّاها ورمت بإسرائيل الى البحر، أو لعبت التهدئة دورها فإنها ستبقى صفعة ودرساً لن ينساه العدو الصهيوني.
لقد أوصلت الجمهورية الإسلامية في إيران رسالتها الى تل أبيب وواشنطن ولندن وباريس، ومن وراء الجمهورية كلٌ محور المقاومة.
قد تستمر هذه المنازلة كحرب استنزاف مؤرّقة للعدو خلال الثلاثين يوماً المقبلة، وحينها لكل مقام مقال.
وفيما يخص تركيا كلاعب أساسي في الإقليم فإن جعجعة أردوغان بإرسال جيش الى فلسطين لتحريرها لا يعدو كونه ورقة ضغط على تل أبيب أكثر من كونه نفاقاً سياسياً، فوجود ١٢٣ تريليون متر مكعب من الغاز شرقي المتوسط تتشاطأ عليه ثمان دول كفيل بجعل أردوغان يحارب حتى عثمان بن أرطغرل، فما قيمة تبادل تجاري سنوي ب٦ مليار دولار بين الجانبين إزاء هذا الاحتياطي المهول؟
هذا النزاع على احتياطي طاقة العصر النظيفة الذي بدأ عام ٢٠٠٨ بوقوف تركيا الى جانب حماس، لم يكن سببه التوافق الآيديولوجي الإخواني، وقد سبق بدء إسرائيل التنقيب عن الغاز قبالة سواحل فلسطين المحتلة عام ٢٠٠٩، إنما سببه الاحتياطي الكبير الذي لأجله رسّمت تركيا الحدود البحرية مع ليبيا، ولأجله يزداد التوتر مع أوروبا لا سيما فرنسا، والصراع الأزلي مع اليونان.
حين قام الجيش التركي بالانقلاب على رئيس الوزراء (الإسلامي) نجم الدين أربكان، صرّح الأميركيون: لقد فعلها أولادنا!
إن جيشاً كهذا، لا يمكن تصوّر دخوله فلسطين فاتحاً