✍: د. عطور الموسوي ||
منذ سقوط أصنام الطاغية وهجمة كبيرة متعددة الاتجاهات والأبعاد شنت على العراق شعبا وأرضا وتاريخا، وأشدها حقدا من الاخوة(الاعداء)، وبدأ برنامج تسقيط ممنهج لشعب يحمل في دمه جينات أنبياء وأولياء وصالحين عاشوا على أرضه وضمت أجسادهم تربته وكل منهم يضفي على تاريخه لمسة مضيئة ومواقف إنسانية ترسخت في النفوس جيلا بعد جيل، ذنبهم الوحيد أنهم تحرروا من طاغوت يترأس عصابة همجية عاثت في الارض الفساد وقتلت الحرث والنسل وملأت أرضه الطيبة بالرفات.
لن أنكر أن أعداء العراق نجحوا الى حد ما بهّز ثقة الفرد العراقي بنفسه وسخطه على حكومته وهويته وربما حتى على والديه يوم أنجباه على هذه الأرض، وانساق أغلبنا وراء هذا المخطط الدنيء ولم يبحث ولو للحظة واحدة من يقف وراء زرع هذا الشعور!
صارت مواقع التواصل تسلط بعدساتها على ثغرات اجتماعية وتهولها وتنتقدها بنفس أصفر يتعب النفس ويفقد الامل بأن ثمة خير في هذا البلد العريق، بينما كلنا يرى بأم عينيه أسمى المواقف وأكرم الصفات لدى غالبية هذا الشعب المبتلى الصبور لكننا لم ننشرها كما ينشرون.
ظهيرة يوم قائظ وعلى مغتربات أحد الجسور وقف رجلا ناهز الخمسين من العمر بدشداشته العراقية البيضاء قرب سيارته ويبدو واضحا أن ثمة عطل فيها، ارتبك السير وتعالت نداءات المساعدة من مختلف السيارات، منهم من يناديه :" عمي أمر خدمه" ومنهم من نزل سيارته مستفهما عن العطل وكيف له أن يساعده، بينما حمل شابا عدة الصيانة وهرع اليه..
الرجل كان ممتنا كثيرا وكرر وضع كفه على رأسه وابتسامة خجل تعلو وجهه وهو يحاول أن يعلمهم بأن ولده أخذ الاطار المعطوب لإصلاحه وسيعود عما قليل ..كلمات جميلة تعالت بينه وبين من يعرض له خدماته ودعوات طيبة تبادلوها في مشهد ينبض بالخير والمحبة والعطاء.
ختم المشهد أحد الشباب ممن لديه سيارة أجرة ركنها قربه وصاح:" عمي ما عوفك الا يرجع ابنك" أي كرم أخلاق وأي نوع من الجود أن يتطوع هذا الشاب حارسا له وهو يهدر وقتا محسوب عليه، عانقه الرجل وتوسل اليه أن يذهب لرزق عياله وهو يصر على البقاء، وفي الأثناء عاد ولده حاملا الاطار متشكرا منه وعبارات الدعاء تتناثر في أجواء ذلك اليوم الصيفي وأشعة الشمس خجلت من نبلهم فاختفت وراء غيمة تخفيفا لشدة حرارتها فهي تريد أن تجود كما يجودون.
انتعشت روحي وتنفست الصعداء، وابتسمت مرددة نعم هنا العراق حيث الغيرة والشهامة والكرم .. نعم ما زلنا بخير وصفات الانبياء والأولياء شئنا أم أبينا تسري في دمائنا أبا عن جد، ولن يفلح أعداؤنا مهما تكالبوا .. هاهنا عراق علي والحسين عليهما السلام..
https://telegram.me/buratha