✍ د. عطور الموسوي ||
8/5/2021السبت
25رمضان 1442
• تعلمت.. من نبي الله موسى عليه السلام عندما عاد الى قومه غضبان أسفا ..أن الغضب لابد أن يكون لله وحده، وأن الأسف أشد إيلاما من الغضب، فهو ألم ممن نكثوا عهدهم الذي عاهدوا ربهم وعاهدوه عليه، وأنهم لم يصبروا ويحترموا غيابه : " فَرَجَعَ مُوسَىٰ إِلَىٰ قَوْمِهِ غَضْبَانَ أَسِفًا ۚ قَالَ يَا قَوْمِ أَلَمْ يَعِدْكُمْ رَبُّكُمْ وَعْدًا حَسَنًا ۚ أَفَطَالَ عَلَيْكُمُ الْعَهْدُ أَمْ أَرَدتُّمْ أَن يَحِلَّ عَلَيْكُمْ غَضَبٌ مِّن رَّبِّكُمْ فَأَخْلَفْتُم مَّوْعِدِي".
• تعلمت.. أنه ألقى الألواح وكسرها وهي مقدسة غير آبه بها عندما وجد قومه قد ذهبت عقيدتهم, العقيدة ليست حبرا على لوح، ولا قيمة لها إن لم ترسخ في العقل والوجدان.
• تعلمت.. أن الخبر ليس كالمعاينة ، فقد أخبر الله موسى محدثا إياه :"قَالَ فَإِنَّا قَدْ فَتَنَّا قَوْمَكَ مِنۢ بَعْدِكَ وَأَضَلَّهُمُ ٱلسَّامِرِىُّ" ..فلم يلق موسى الألواح حينها من الغضب ،لكنه عندما رآهم يرقصون حول العجل راعه ما رأى فغضب وألقاها فانكسرت وهي مقدسة .
• تعلمت أن الغضب لله لا يقتصر على العتب واللوم وإنما اجراء حاسم ليكون رادعا للغير: " وَأَلْقَى الأَلْوَاحَ وَأَخَذَ بِرَأْسِ أَخِيهِ يَجُرُّهُ إِلَيْهِ".
• تعلمت.. الحلم وسعة الصدر من هارون الذي وضح بهدوء موقفه ولم يغضب لغضبة أخيه كي لا يتأزم الموقف، وهما قدوتان أمام الآخرين، كما أنه أدرك أن ثمة شامتين بينهم ووضح له إنه لا يمكن أن يكون مع الظالمين:" فَلَا تُشْمِتْ بِيَ الْأَعْدَاءَ وَلَا تَجْعَلْنِي مَعَ الْقَوْمِ الظَّالِمِينَ" .
• تعلمت .. أن صلة الرحم تحنن القلب وترققه، ففي قمة غضب موسى وهو يمسك بلحية أخيه ويجره اليه، قد تأثر بكلام هارون حين أجابه :" قَالَ يَا ابْنَ أُمَّ لَا تَأْخُذْ بِلِحْيَتِي وَلَا بِرَأْسِي" ولم يقل يا نبي الله ,هنا هدأ موسى وتأثر بكلمات أخيه التي نزلت بردا على قلبه .
• تعلمت.. ان المصلحة العامة ووحدة الصف تتقدم على التفرقة، وتوجيه القائد لا يستغنى عنه في كل الظروف ،حين إجاب هارون أخاه موسى مستنكرا عصيانه لأمره :" إِنِّي خَشِيتُ أَن تَقُولَ فَرَّقْتَ بَيْنَ بَنِي إِسْرَائِيلَ وَلَمْ تَرْقُبْ قَوْلِي".
• تعلمت.. "التكتيك" في آلية الردع، فموسى لم يأخذ برأس السامري ويجره اليه وهو في قمة رمزّيته كي لا يحدث ثورة عند أتباعه، وإنما أخذ برأس أقرب الناس اليه ليحقق غايتين : لا أحد مستثنى من العقاب إن أخطأ، وأن من يحاسب أولا هو المؤتمن على الناس وولي أمرهم.
• تعلمت.. أحيانا تحتاج لبعض التضحيات من أجل غاية أسمى ، فموسى أخذ برأس أخيه يجره اليه وهو يعلم بإيمانه واستحالة أن يكون راضيا على فعال القوم، أو مشركا في عبادة العجل، لكنه وجد أمثل وسيلة البدء به ليعرض أمامهم مدى غضبه على اشراكهم الكبير هذا .
• تعلمت.. أن الشيطان يسول للمؤمنين من جنس إيمانهم، فهو لم يأمرهم بترك العبادة وإنما وسوس لهم بتزكية ما غنموه من أموال بني إسرائيل بجمعها وعمل تمثال العجل.
• تعلمت.. إن الشيطان يدخل للإنسان من بوابة نقاط ضعفه فاستغل إعجابهم بمن عكفوا على عبادة العجل ليسول لهم ذلك على يد السامري .
• تعلمت.. أن طاقة العلم إن لم يحكمها الإيمان فإنها ستكون وبالا على الفرد والمجتمع، ففي ظل ازدهار السحر في عهد نبوة موسى استغل السامري لحظات انفلاق البحر حيث كان جبرائيل عليه السلام يتقدم موسى والمؤمنين الهاربين من عذاب فرعون ممتطيا حصانا يسير على الماء فيتحول الى تراب بقدرة الله حتى صار طريقا سالكا لينجو منه بني اسرائيل، هنا السامري أدرك مكانة هذا التراب فأخذ قبضة منه ليسخرها فيما بعد لمآرب ذاتية .
• تعلمت.. أن الناس يأخذون بظاهر الأمور أكثر من بواطنها، فبعد إيمانهم برب العالمين وما جرى عليهم من معجزات أقنعهم السامري بإلقاء غنائمهم في النار ليتخلصوا من وزرها واثمها، صنع العجل ورمى في فمه من تراب أثر الرسول فخار كأنه حي، فأذهلهم بالملموس وإن كان باطلا .
• تعلمت أن تحطيم رمز العبودية والشرك سنة سار عليها الأنبياء موسى عليه السلام يحرّق عجلهم وإبراهيم عليه السلام يكسّر أصنامهم ومحمد بأمر علي عليهما السلام بتحطيم أصنام الشرك في الكعبة، لإيصال رسالة أن ما يعبدون من دون الله لا يملك لهم ولا لنفسه نفعا ولا ضرا.
• تعلمت.. أن الناس يبررون أخطاءهم بدعوى الإيمان والتقوى:" قَالُوا مَا أَخْلَفْنَا مَوْعِدَكَ بِمَلْكِنَا وَلَكِنَّا حُمِّلْنَا أَوْزَارًا مِّن زِينَةِ الْقَوْمِ فَقَذَفْنَاهَا"، فهم قد ضل سعيهم وهم يحسبون أنهم يحسنون صنعا.
• تعلمت.. أن أقصى العقوبات ليس القتل، وإنما الحياة بذلة ومرض وعزلة هي أشد من القتل ، حينما قال موسى للسامري :" فَاذْهَبْ فَإِنَّ لَكَ فِي الْحَيَاةِ أَن تَقُولَ لا مِسَاسَ"، حرم من كل العلاقات الاجتماعية بكل مستوياتها .
• تعلمت.. أن بعض الذنوب تستوجب عقوبة دنيوية ولم تعفى من عقوبة الآخرة:" وَإِنَّ لَكَ مَوْعِدًا لَّنْ تُخْلَفَهُ"، فالسامري حتى وان تمنى الموت فإنه على موعد مع العذاب، لأن الخطأ في حق الجماعة عقوبته أشد من الخطأ بحق الفرد، وأن قتل العقيدة أشد من قتل الأرواح.
• تعلمت.. أن أقسى ما يعاقب به المذنب حرمانه من أسباب طغيان، فبعد أن كان السامري يحب الظهور ويحاط بالمعجبين صار يتجنب الناس ، فكلما مسه أحد تألم وأصيب بالحمى، فهو كان يفر من الناس والناس يتجنبوه خوفا من العدوى، وقيل أنه أصيب بمرض نفسي أصبح يستوحش من الناس ويخافهم ولم يتواصل مع أي منهم حتى مات.
• تعلمت.. أنه لو عوقب السامري بالقتل والموت لغدا رمزا وعكفوا على تخليده، لكنه صار عبرة لمن تسول له نفسه عندما عوقب بلا مساس، فهو يرونه بأم أعينهم منبوذا خائفا لا مكانة عنده ولا جاه ، ليزال أي أثر لعبادة العجل .
https://telegram.me/buratha