محمد كاظم خضير ||
للوهلة الأولى، توحي المواقف والاستعدادات الإسرائيلية العسكرية والاعلاميه ليوم القدس العالمي ، كأنها تتهيأ لمواجهة حشد عسكري إسلامي سيجتاح المستوطنات ، وللتصدي لعملية التحرير التي على وشك أن تبدأ في جببهتا فلسطين كافه . وأكثر ما برز القلق في رسائل الإعلامية التي وجهها القادة الإسرائيليون إلى العالم الاسلاميه بهدف ثنيهم عن هذه الخطوة على أنه يوم إيراني ومحاولة تاجيج الصراع الطائفي ، وأيضاً في حجم الاستعدادات التي تظهرها كأنها تستعد لأسوأ السيناريوات، وهو إجراء مفهوم ويتناسب مع طبيعة مهمة وتفكير المؤسستين العسكرية والاستخبارية، لكن المواقف التي واكبتها تكشف عن أنها تتعامل مع مسألة ترى فيها تل أبيب تحدياً جدياً. فهل تبالغ القيادة الإسرائيلية أم أنها تنظر بخطورة فعلية إلى يوم القدس الذي يشهده العالم العربي والإسلامي ، ولماذا؟
على المستوى التكتيكي، يشكّل احياء يوم القدس تحدياً للمؤسسة الأمنية، لجهة أن المطلوب منها مواجهة مسيرات شعبية كبيرة إعلاميا وعسكريا تطالب بحقها في القدس ، ولذلك يتخوفون في تل أبيب من تجاوز الحواجز التي تفصلهم عن بقية الأوطان العربيه مع فلسطين التي قسمتها بفعل الحروب . وترى المؤسسة العسكرية قبالة تصميم وحماسة المشاركين في يوم القدس العالمي أنها قد تواجه حالات تجاوز لهذه الحواجز، وهو ما سيشكل قدراً من الإحراج
ففي الحالة الاولى، سيشكل خطر على أذناب المطبعيين وقيام الجماهير العربيه المحتشدة بإعادة تصويب لوجهة الصراع، في الوقت الذي تتركز فيه المساعي الإسرائيليه لتأجيج الخلاف العربي ــ إيراني ، وحرف وجهة الصراع نحو عناوين بعيدة عن مواجهة الهجمة الأميركية على الشعب العربي ومقاومته .
وتشكل مسيرة يوم القدس محطة إضافية في سياق حركة الصراع الإسرائيلي العربي ، وتزخيم حركة الانتفاضة الشعبية في فلسطين ضد الاحتلال، وهو مسار بدأ يأخذ أساليب تصاعدية منذ إعلان الرئيس الأميركي، دونالد ترامب، القدس عاصمة للكيان الإسرائيلي، وتأتي كخيار مواكب لعمل المقاومة الفلسطينية المسلحة التي تستهدف جنود الاحتلال والمستوطنين، وذلك في مسار تكاملي على قاعدة توظيف الإمكانات كافة لمواجهة تحديات المرحلة التي تمرّ بها القضية الفلسطينية.
مع ذلك، تبقى لمسيرة يوم القدس خصوصية محدَّدة، لكونها تأتي في مواجهة مخطط تصفية القضية الفلسطينية على مستوى الوعي العربي والعالمي، كجزء من «صفقة القرن». من هنا، إن بعض ما يفسر التوتر الاسرائيلي وكل من له مصلحة بتمرير هذه الصفقة أن هذه اليوم يشكل انتصاراً على مستوى الوعي؛ بمعنى أن مجرد نجاح محور المقاومة في تحويل يوم القدس إلى تظاهرة جماهيرية واسعة تعبر عن توجهات وآمال الشعب الفسطيني يشكل انتصاراً حقيقياً لا تستطيع مقابله إسرائيل ومن يؤازرها الحؤول دونه. وأهمية هذا النوع من الحراك الشعبي أنه يندرج ضمن سياسة الرد العربي الذي يهدف إلى تكريس الحق في القدس وانتصار إسلامي في معركة الوعي ، ويعزز حضوره على المستويين العربي والعالمي. وتتزايد ضرورة هذا الإنجاز لكونه يحاكي طبيعة المرحلة التي تمر بها القضية الفلسطينية.
أما عن موقع هذه اليوم ودورها في القضيه الفلسطينية ، فإن تقييمها يأتي كجزء من مسار، وليس على نحو استقلالي. وتجسد المسيرة في التوقيت والعنوان والأسلوب تجسيداً للإبداع العربي على المستويين الشعبي والفصائلي في إدارة حركة المقاومة ضد الاحتلال. مع ذلك، هذا الإنجاز مشروط باستمرار يوم القدس والمقاوم على نفس المسار بغض النظر عن التكتيكات والأساليب، وهو ما يتوقع أن يتواصل، بل هو ما أثبته الامه الاسلاميه مراراً في مواجهة الهجمة المتعددة الجبهات العربية والإسرائيلية والغربية التي تستهدف النيل منه استكمالاً لمخطط الاستيطان والاحتلال.
تبقى الحقيقة أكثر حضوراً في حسابات القيادة الإسرائيلية أن يوم القدس تكشف عن تصميم الامه الاسلاميه على مواجهة التحديات التي تمر بها القضية الفلسطينية ، وتعكس إصرارها على التصدي ومقاومة أي محاولات تصفية القضية الفلسطينية. على هذه الخلفية، إن إسرائيل التي تواجه الإنسان المسلم المحتشد في الميادين ، يحضر في وعي صناع قرارها السياسي والأمني الخطوات التصاعدية التي سيلجأ إليها في اليوم التالي والشهر المقبل، والسنوات اللاحقة.
ـــــــــ
https://telegram.me/buratha