نعمه العبادي ||
تتوالى خسائر فقدان الإنتظام في دنيانا المنزلقة بقوة تجاه (ما يشتهون)، وأحد صور هذا الانزلاق فقدان ترسيم حدود (من حقه القول)، ومن (واجبه الإستماع)، فتحولنا الى حلقة صراخ يزعق الجميع على الجميع بأعلى ما يستطيعون من قوة صوتهم، فالذين واجبهم القول يفعلون ذلك رجاء شد إنتباه الآخر الذي يعتقدون أن وظيفتهم تعليمه وتبصيره، والذين تركوا وظيفة الإستماع رغبة في لذة القول يحاولون تأكيد وجودهم في (حلبة مجالدة الصراخ)، والنتيجة، لا أحد يسمع لأحد.
يفقد العالم (عنوة) لذة الصمت ووظيفة الإصغاء ومكانة المتعلم ومحل المتلقي، وبهذا، فقدنا الرشد، وضاعت التجارب، وأختفت الحكمة، واختلط النافع بالزبد، وأستهلكنا أدوات الإستماع، لنحرم مقدمة مهمة وضرورية للحصول على المعرفة.
مفهوم القول المستعمل في هذا النص لا يقتصر على المشافه الملفوظ بل يشمل المكتوب، فهو جزء أساسي من الخطاب، وساحة الصراخ فيه أكبر وأكثر، فالكل شعراء ينشدون بلا جمهور، والكل مفكروا سياسة وتحليل، وهكذا كل المجالات الأخرى.
(بصدق وأخلاص) يحتاج عالمنا المأنوس بضجيجه القبيح أن يقوم بما يسمى (إعادة ضبط مصنع) لتستعاد الحدود، ويعود من وظيفته الإصغاء الى موضعه الطبيعي، لننعم بقول (أكثر حكمة، وأثبت يقيناً، وأجمل محتوى ومظهر).
صباحك مثل نيات العجائز قبل ان ينخرطن في الفضاء الأزرق.
https://telegram.me/buratha