د.أمل الأسدي ||
لاتوجد أبجديةٌ تعبِّر عن عذابات الأمن العامة،ولاتوجد لغةٌ تستطيع أن تصوِّر وحشية البعث،أكتب كلماتي هذه علّها تصل ذات يوم إلی يد إنسانٍ،فيدرك حجم معاناتنا في العراق،عن نفسي لا أحبُّ السياسة ولم أُفكِّر يوما بحريةِ التعبير وحقوق الإنسان ورفض الظلم والتمرد علی النظام الظالم،كنت أعيش يومي وأشطب ورقته وأنا مسلِّم أمري لله تعالی،فدراستي أهمّ ما يشغلني ،والتفوق الذي يسعد أمي هدفي في الحياة!
ولكن في خضم دوران عجلة الحياة هذه لم يفرغ قلبي يوما من حبِّ علي بن أبي طالب،فهو جدار الصد الأوحد الذي يحمينا من الإحباط واليأس،وهو الرصيد الدائم الحضور في أيامنا القاسية،وطالما سمعت جدتي حين تقوم وحين تجلس تقول: يا أبا الحسن ياحاضر الشدات!!
وأسمعُ أمي تقول: ياداحي باب خيبر ماعدنا غيرك!!
وأسمع حكايا أبي عن كرامات أمير المؤمنين التي لمسها بنفسه،كل تلك الجمل والسياقات كانت درعا وحصنا وأمانا لي،فلا شيء يوقفني عن العمل،أو يوقفني عن التفكير في المستقبل ،لاشيء يعكر صفو أحلامي!
رغم كل هذا الرصيد النفسي، ورغم الابتعاد عن مواطن الشيطان الذي يحكمنا،إلا أنني لم أسلم منه!!
لماذا اُعتقِلتُ؟ ولماذا سُجنت في هذا المحجر العمودي!!
ماذا فعلتُ؟ لا أملكُ إلا عقيدتي وحبي لأهلي،فحياتي بسيطة،ترنو الی المستقبل رغم فداحة الواقع!!
ـ وحده نظام البعث الصدامي يعدل ظلم بني أمية ووحشيتهم،كنت سابقا أقرأ في الكتب أن (هند بنت عتبة) أشارت علی قومها إبان المسير إلی معركة (أحد) بأن تنبش قبر آمنة بنت وهب (أم الرسول) وتساومه علی رفاتها!!
وكنت أقرأ عنها أنها مثّلت بجثةالحمزة(ع) وقطعت مذاكيره ولبستها كقلادة!! كنت أُفكر مع نفسي من أي جنس هولاء الأمويين؟ هل هم من البشر؟
فلا يمكن للعقل أن يتصور هذه الخسة والدناءة والإجرام!!
ولكنّ ما رأيته من إجرام البعث.أكدّ لي أن هولاء أبناء هند، قد رضعوا منها حليبا نجسا،فكانوا نسخةً محدَّثة عنها وعن أبنائها!!
ـ آه... بل آهات لاتعرف النهاية،حتی بعد أن حكموني بمحكمتهم الخاصة وحكمهم المُقفل، لسبب أجهله الی الآن،ونقلوني إلی القسم الإنفرادي في سجن أبي غريب،مازلتُ أتحسر علی لحظة نوم هانئة، الله ...لو تعود بي الأيام وأضع رأسي في حضن أمي فـ(تفليني) بأصابعها الحنينة،وأغفو،وأرتاح وكأني أملك الدنيا!!
هذه صارت من الأماني البعيدة!!
الآن، يصعب عليّ الاستلقاء أرضا،فكتفاي مخلوعان من الضرب، وصوت يدوّي في أذني بسبب الصعق بالكهرباء!! وإدراري دمٌ وهو من مخلفات الصعق أيضا!!
كل هذه الأفعال السفيانية كنت أشهدها يوميا، لكنّها تكون أشدّ حين أسمع أصوات نساء يصرخن،ويستنجدن،ويتوسلن.... آه.. كم حرمة هُتكت؟!!
الله أكبر
وكلّما اشتدت المحنة نلوذ باسمك ياعلي،هي معادلةٌ لايعرفها إلا العاشقون،لايعرفها إلا المظلومون!!
أنت سندٌ للإنسانية كلها،ومددٌ وغوث لكل ملهوفٍ!!
قد أرهقنا حروفك استدعاءً،ومازلت تخيط جراحاتنا،وتمسّد علی رؤوسنا، كلنا يتاماك ياعلي!!
ـ كنت أحلم بالخروج،ليس لأجلي؛بل لأجل أمي!!
أمي ستحل بها كارثة إن أصابني مكروه!!
يارب.. أمي
يارب ... أمي
يا علي...أمي
كنت أسجد وأردد 500 مرة اللهم إني مغلوب فانتصر!
كنت لحوحا لجوجا، أطالبُ الإمام علي بأن يساعدني،فأنا أحبُّه، ومن واجابات المحبة أن يقف معي في محنتي،لا أريد الموت،أريد أن أحيا وتنعم أمي بوجودي!!
لماذا لايصلني الإمام وقد كان يصل غيري؟وقد سمعتُ قصصا كثيرة عن ذلك!!
ـ يا علي، أنا أناديك:(ناد عليا مظهر العجائب،تجده عونا لك في النوائب)
هناك ترجل عن جواده،وقف أمامي،عيناه قبالة عيني، ضاعت مني اللغة، وضاعت مني الأحلام.واختفت نداءاتي!!
قال لي: سل ما تريد
قلت :أأنتَ الإمام علي؟
قال: نعم،قد وصلتك حتی لاتعتب عليّ
قلت: فدتك روحي يا أبا الحسن
قال: وهل تحبُّنا؟
قلت: فداء لتراب أقدامكم
قال: أتريد اللحاق بنا؟
قلتُ: حلمٌ بعيدٌ علّه يتحقق
قال:طلِّق الدنيا بالثلاث ولاتلتفت
قلتُ: طلّقتُها سيدي
قال لي مُدّ يمينك،لألبسك هذا الخاتم
مددت يميني،وكنت ألبس فيها خاتما،دسَّه أهلي لي في زيارتهم الأولی، فحاول الإمام أن يخلع الخاتم القديم بحجره الفيروزي،كي يلبسني خاتمه الهدية وكان خاتما بحجر الحديد!
مازال يحاول أن ينزع عنيّ الخاتم بصعوبة حتی انكسر حجر الفيروز!!
استيقظتُ علی صوت الحرس المُفزع،فنهضت وسقط حجر الفيروز المقسوم الی نصفين!!
هنا،بدأت حياتي تتغير،لم أعد أرغب بهذه الدنيا الفانية،ولقلب أمي ربٌّ يحميه ويرمم جراحاته!!
كتبتُ هذه الكلمات ووضعتُ معها نصفي حجر الفيروز،وسأسلمها لأمي في زيارة يوم التنفيذ!!
وسأمضي راضيا الی الأبديةِ الخضراء!
ولكلِّ من يقرأ كلماتي أقول: تمسكوا بحبِّ علي!
فهناك مستقرٌّ ومقامٌ جميلٌ يليقُ بالقلوب العاشقة!!
وهناكَ نهاراتٌ راضيةٌ،رنينها موسيقی البياض الناصع!
وهناك موقف طويلٌ، دوامة برتقاليةٌ، ونهاراتٌ لاذعةَ، وعذاباتٌ مسيقظةُ اللذة.... تنتظر أبناء هند!
https://telegram.me/buratha