قاسم العجرش ـ qasim_200@yahoo.com ||
تذكر ألأدبيات الصينية أنه في 23 يوليو 1921، ومع ظهور الشيوعية في بلدان عديدة، لا سيما في روسيا، عقد المؤتمر التأسيسي للحزب الشيوعي الصيني، في مدينة شنفهاي، بعدد لا يتجاوز 50 عضوا.
وبصرف النظر عن موقفنا الثابت من الأيدولوجيا الشيوعية، التي لها موقف سلبي من الإيمان، خصوصا بتطبيقها العراقي السيء جدا، حيث اعلن عداءه للإيمان على طول الخط، فإنه ومنذ ذلك التأريخ بدأت مسيرة جديدة في الصين، قيض لها ان تلعب دورا مهما في تاريخ الصين والعالم.
ماذا حدث خلال هذه المائة عام، كمقطع فريد من مقاطع التاريخ في بلاد السور العظيم، ومنطلق طريق الحرير التاريخي؟!
إذا قرأنا جيدا إمتزاج عوامل متعددة، ترتبط بالصين ذاتها كواحد من أعرق البلدان التي صنعت التأريخ، وبين تقاليد الشعب الصيني وتراثه المعرفي والقافي الثري، وبين الصفات الشخصية للصينيين، وبالتقاليد الجديدة،. سنستطيع فهم ما حدث وما منتظر أن يحدث في قادم السنين.
إنه شيء كبير ليس في صالح الصينيين وحدهم، بل في صالح الإنسانية كلها، ومع الأخذ بنظر الإعتبار؛ ان الصينيين ليس لديهم تراث إستعماري عدائي مع الشعوب، سواء البعيدة او المجاورة، فضلا عن توفر بلادهم على إمكانات طبيعية والبشرية هائلة ، ألأمر الذي يفتح باب الأمل لشعوب كثيرة، ومنها شعوب منطقة غرب آسيا التي ينتمي العراق اليها، والتي عانت كثيرا من مرارة العلاقات اللا متكافئة؛ مع أمم أخرى أعتدت عليها وأحتلتها وأستعمرتها وأستنزفت ثرواتها، وزجتها في آتون حروب وأضطرابات مستمرة؛ بإن تنفتح على التجربة الصينية الناجحة.
الصين خلية النحل الأسيوية، استطاعت أن تخلق تجربة متفردة؛ في نوعها ووسائلها وأدواتها وقيمها، أنتجت نظاما للعيش الكريم للشعب الصيني، أخرج شعب المليار وأربعمائة إنسان من الفقر الى ألأبد، وكان للمراجعة المستمرة للسياسات الإجتماعية والأقتصادية والتعليمية والحكومية، اثرا كبيرا في أن تسير قاطرة البناء على المسار الصحيح، خصوصا مع إنتهاج سياسة الإصلاح والانفتاح خلال العشرين سنة المنصرمة، مع تركيزها على التنمية كمنطلق لمحاربة الفقر والبطالة والفساد وتحسين جودة الحياة لشعبها.
مع خروج الصين من الإنغلاق العقائدي، وإنتهاج مسارات الرؤية المستقبلية المبنية على الحداثة، ومواكبة وضخ روح العصر في النظرية السياسية المتبناة من قبل الدولة الصينية، انعكست هذه التطورات بصورة إيجابية، على اقتصاد ومكانة الصين بين ألأمم، وتحولت الصين الى قوة عالمية كبرى، تقف بندية مع القوى الكبرى الأخرى، واستعادة الصين موقعها في المنظومة الدولية، ومقعدها الدائم في الأمم المتحدة، وهو حدث مفصلي يمثل إنعطافة عالمية كبرى، وإيذان بتشكل نظام دولي جديد، حيث تقف الصين على رأس أحد زواياه المهمة، وبدا عداد أفول القوى ألإستكبارية بالعد التنازلي، فيما بدأ العد التصاعدي لقوى المستضعفين الذين تنتمي الصين اليهم بشكل حقيقي .
ثمة سر مهم جدا فيما حدث، إذ أن التجربة الصينية؛ إستطاعت أن تستوعب ظروف الصين ومكنونات شعبها بحكمة بالغة، ونجحت في صناعة ميكانيزمات التوازن، بين التقاليد والأفكار المتبناة برغم ظاهرها المتزمت الصارم، وبين متطلبات الانفتاح الاقتصادي على العالم الخارجي، وإنتهاج سياسات داخلية وخارجية معتدلة، وتم تصميم نظام حكم يعرف فيه الحاكم والمحكوم واجباته ومهامه وصلاحياته بدقة، وكل ذلك ضمن مصلحة أمة المليار وأربعمائة ملين إنسان!
اللافت في الأمر أن التطور التقني في الصين بات هو العنوان الأبرز، وفي الصين ثمة شيء جديد مدهش في كل ثانية، الأمر الذي أدخل الصين في موقع مميز لم يدخله احد قبلها، إنه عصر الصين بكل جدارة.
لقد باتت الصين قوة متفردة وفي مختلف المجالات، وهي بفضل العقول التي تقودها، تتفوق في كل شيء تقريبا، وبمنافسة شريفة مع الآخرين في جميع المجالات الجيوأستراتيجية، كالاقتصاد والتجارة والتكنولوجيا المتطورة وكثير من المجالات الأخرى.
مناهج التطوير والتجديد، وعمليات ضخ دماء الحداثة في كافة مجالات الحياة، قائمة على قدم وساق وتجري بشكل سلس، وأهداف التصدي للفساد الداخلي، تتحقق في كل دقيقة، ومعالجة المعوقات والصعوبات منهج عمل يومي، ولا شيء مستحيل في الصين.
كلام قبل السلام : تطورت الصين بصمت، ولم تلجأ الى إستعباد الشعوب الأخرى أو النيل من كرامتها، أو الإعتداء عليها مثلما يفعل خصمهم الأمريكي، وفي الصين أنظمة إدارية ومالية وإقتصادية مرسومة بعناية فائقة، وثمة نظام راقي للمحاسبة الذاتية، من خلال محاربة الفساد بالمراجعة والإصلاح.
سلام..
https://telegram.me/buratha