قاسم العجرش qasim_200@yahoo.com ||
مرات ومرات يأخذني التفكير بعيدًا الى أعماق التأريخ، لكن وأنا في طريقي الى ذاك العمق السحيق، حيث تنقل لنا كتب التاريخ وشواهده، المتمثلة بما تبقى لنا من آثار، تُثار في وجهي زوابع من أسئلة كثيرة جدا، تمثل حشرجات نفسٍ؛ يتنازعها عدم التسليم بمصداقية التأريخ، بل وأحيانا نفيه جملة وتفصيلا، وبين الإعتقاد به وبمخرجاته، والتصديق بما نقلته لنا كتب التأريخ، بل وكتب سماوية، من أنه كانت في ذلك العمق الزمكاني، حضارة هي الأولى في التاريخ..
سبب هذا التنازع هو الحقيقة الماثلة بين أيدينا، وهي أن ذلك التاريخ الذي ما فتئنا نتغنى به وبأمجاده؛ إن كانت له أمجاد فعلًا، لم يترك أثرا إيجابيا في حاضرنا..وإذا كان أهل ذلك التاريخ قد أخترعوا اول حرف عرفته البشرية، وقوننوا حياتهم ونظام حكمهم وإدارتهم بشرائع راقية، وصنعوا أنظمة ري وزراعة دقيقة، ووضعوا قواعد علوم الفلك والهندسة والجبر والطب والرياضيات، وتركوا لنا تراثا ثريا من الملاحم والفلسفة والشعر، فإننا اليوم لا ننتمي الى كل ذلك، لا من قريب او بعيد.
الفروقات كثيرة بين ماضينا وحاضرنا، بين ما نعيشه نحن الآن، وما كان عليه آباؤنا وأجدادنا، حتى آبائنا وأجدادنا المباشرين الذين عشنا في كنفهم، نحن لا نشبههم بشيء، ولم نأخذ منهم إلا وجوهنا، التي هي الأخرى تلاعبنا بها بالبوتكس ومستحضرات التجميل، أما في العادات والتقاليد والقيم والمُثُل والأخلاق فما افقرنا، والحقيقة المؤلمة الصادمة، هي أننا اليوم شعب همجي بكل ما للهمجية من معنى!
نحن لا ننتمي قطعا الى ذلك التاريخ العراقي العريق، فأهل ذلك الماضي كانوا يعيشون ظروفا صعبة، إلا أن الابتسامة كانت تملأ وجوههم والرضا يسكن قلوبهم، وكانوا يكسبون قوتهم بعرق جباههم، وكانت أياديهم متغضنة قاسية الجلد؛ أثر المسحاة والمناجل، وكانت ألوان وجوههم؛ تشبه لون الحنطة التي يحصدونها من أرضهم.
لقد أنفصلنا عن ماضينا، وعلينا الإقرار بأننا لسنا من أولئك، بل ولكي نعالج مرارة واقعنا ومكابداته، يتعين أن نقر جميعا باننا شعبا ليس متمدن، ولا نعرف من الحضارة إلا أجهزة الموبايل، التي أستخدمناها أسوأ إستخدام، وأننا لسنا حضاريين ولن نكون كذلك، وأننا نسيء الى التاريخ ونسرقه بخفة يد الحاوي؛ أذا قلنا أننا أحفاد أكد وسومر وبابل وآشور..
الحقيق التي يجب ان نعترف بها، هي أننا إمتداد لهمجية الصحراء، وأننا قتلنا البقية الباقية من تاريخ العراق العراق العريق، يوم قدِمنا من عمق صحراء الجزيرة العربية المُقفرة، وأننا ذبحنا التاريخ لحظة وطأت خيولنا ارض العراق، بدعوى نشر الإسلام في القرن الأول الهجري، وحتى الإسلام هذا الدين السماوي الحضاري الرائع، دين الفطرة الإنسانية التي كان عليها كل البشر، ومنهم حموراقي وكلكامش، قتلناه بسيوفنا اليعربية، وأول قتلانا كان إبن بنت نبي الإسلام..آه كم نحن همج رعاع!
كتب أنسابنا ومشجرات عشائرنا بين أيدينا، جميعها بلا أستثناء؛ تفخر بأننا تنتمي، الى عروبة صحراء الجلف والغزو والسبي والقتل والبعير والعاقول، لكن الحقيقة التي يجب ان لا ننكر صفعتها، هي انه ليس لأي منا صلة نسبية او سببية، بعراق التاريخ والحضارة، فهمجيتنا ما تزال تقودنا الى مستقبلنا، ونحن بالحقيقة وبكل العار والشنار؛ نمثل إمتدادًا طبيعيًا لأبن العاص وأبي سفيان وابي لهب وأبي جهل، ولكل "الآباء" المؤسسين للهمجية العربية، وهمجيتنا ما تزال تفرض علينا سلوكنا اللاحضاري واللامهذب في كل شيء..
بعضنا احس بفداحة انتسابه الى همجية الصحراء، فبحث عن وسيلة للتخلص من اثرها السيء، فزور لنفسه نسبا ينتمي فيه، الى الفرع الوحيد الطيب من الصحراء، فأنتسب الى آل محمد "ص"، لكنه بقي همجيا في كل شيء كما كان دوما!
همجيتنا هي التي انتجت لنا قادة، من النوع الذي يقودنا ويحكمنا اليوم، مرة بأسم الدين ومرة أخرى بأسم العروبة، وثالثة بأسم التاريخ، لكننا وهم معا لا ننتسب الى عراق الحضارة..!
كلام قبل السلام: لأننا همج رعاع؛ غدا سنستحق أن يحكمنا علج من علوج الجبل، من قبيلة بارزاني، رغم انف التاريخ والجغرافيا والعروبة، وخالد بن الوليد وطلحة وعكرمة وسعد بن ابي وقاص، وكل قريش..!
سلام..
https://telegram.me/buratha