د. حسين القاصد ||
كل النصوص هي تكرار لموروث ، ذلك لأن مشتركات البيئة والتاريخ تفرض نفسها وتجعل المعجم مشتركا ، والافكار متقاربة ، لاسيما في مجتمع يميل إلى الأقوال المأثورة ويجعل من الحكمة الشائعة دستورا لسلوكه الشخصي . لذلك يرى النقاد والمختصون ان كل النصوص مترابطة يجمعها خيط ربما يكون خفيا ، وفي اغلب الاحيان يكون واضحا فاضحا ، يحيل الى الفكرة الأصل ؛ ووفق هذا يمكننا القول ان الجديد قديم تم تحديثه بشكل او آخر .
، لكن ماذا عن اول الكلام ؟ وهل من اسبقية لقائل على قائل آخر ، وماذا لو تشابه اللفظ والمعنى عند شاعرين او كاتبين يعيشان في زمن واحد ويلتقيان ويسمع احدهما قول الآخر ؟
يقول الجاحظ : "لا يُعلم في الأرض شاعر تَقدَّم في تشبيه مصيب تامٍّ، وفي معنى غريب عجيب، أو معنى شريف كريم، أو في بديع مُخترَع، إلا وكلُّ من جاء من الشعراء من بعده أو معه، إنْ هو لم يعدُ على لفظه، فيَسرِق بعضه، أو يدَّعيه بأسْرِه، فإنه لا يدع أن يستعين بالمعنى، ويجعل نفسه شريكًا فيه، كالمعنى الذي تتنازَعه الشعراء، فتختلِف ألفاظهم وأعاريض أشعارهم، ولا يكون أحدٌ منهم أحقَّ بذلك المعنى من صاحبه، أو لعلَّه أن يجحد أنه سمِع بذلك المعنى قط، وقال: إنه خطر على بالي من غير سماعٍ كما خطر على بالِ الأول" ، ومن قول الجاحظ نرى خيطا واضحا نستطيع ان نتلمسه مفاده ان الكلام وان كان مكرورا او معادا فإن التنازع عليه حتمي وان اختلفت الالفاظ ، واعاريض الاشعار ؛ ومن هنا نرى ان الموروث موروث ، وان التناص هو تأثر بالموروث لكن فيه بصمة الشاعر او الكاتب الحديث ، والا فليس من المعقول ان يأتي ابو تمام اخر يشبه ابا تمام الاول بكل شعره !! .
من البديهي جدا ( ان ارتباطية النصوص متأصلة في الاسلوب الحواري ) وعليه فإن (جميع النصوص مترابطة بينيا بنصوص أخرى حتى إذا لم تدرك الجماهير هذه الحقيقة ، أو ادرك مبتكرو هذه النصوص مايقومون به من تناص) ، لكن ماذا لو لم يدركوا ؟ او جحدوا انهم سمعوا بذلك المعنى قط _ على حد تعبير الجاحظ _ فاذا كانت الحادث بين شاعرين او كاتبين في زمن واحد ومكان واحد ، هنا تكون استحالة التناص ، واستحالة عدم سماع احدهم بالآخر ، وإن عن طريق الجمهور المتلقي ، وهو الأمر الذي شاع مؤخرا ، وتمت شرعنته على انه تناص ، وإن هو الا سرقة واضحة ، لاجهد ولا فضل للاحق على ما جاء به السابق سوى انه اعاد الفكرة لفظا ومعنى ونسبها لنفسه .
https://telegram.me/buratha