حسن كريم الراصد ||
دخل علي على الخاص وبعد السلام عرفني بنفسه فهو يعرفني منذ اكثر من 30 عام وقد كان جارا لنا ..
لم اعرفه ..
فهو من جيل غير جيلي واكبره بعشرين عام ولكني ركزت على صورته الشخصية فلاحت لي ملامح شاب اعرفه ولكني لا اتذكره .. كان يبدو هرما اكبر عمره بكثير ويبدو ان الفاقة والعوز والمرض وقهر السنين قد اجتمعت عليه فاخذت منه مآخذا ..
سألته ان كان يطلب مني شيئا فاجاب على استحياء وبعد تردد ممل : نعم .. فبعد ان عرض علي الفيس صداقتك تأملت ان تكون على العهد القديم بعد ان تخلى عني الاهل والصديق .. واكمل : قتل والدي على ايدي التكفير وبقيت واخواتي في حيرة من امرنا وكنت اعمل في امانة بغداد بمرتب 400 الف دينار كعامل تنظيف واعيل ثلاثة بنات وولد واحد ثم لم يكتفي القدر بذلك بل صدمني من حيث لا احتسب .
عندما كنت اعمل في الشارع كانت هنالك سواق سيارتين حديثتين يتشاجران وهم يسيران ففقد احدهم السيطرة ودهسني فكسر الحوض واتلف لي مفاصل الوركين وهرب ولم اعثر عليه ..
بقيت محتارا فيما اصنع فاخذت سلفة على راتبي واجريت عملية استبدال المفصلين ونجحت العملية ...حتى بعد اعوام تحرك احد المفصلين الصناعيين فاجريت عملية لرفعه وها انذا لا استطيع السير على قدمي مع الام لا تبارحني وعجز عن العمل ونحن اليوم لا نملك ما نسد به رمقنا عند الافطار ..
سألته : ما المطلوب مني ؟ قال لا اعلم فاجبته : الله كريم يصير خير .. انتهت المحادثة
وشعرت ان مصيبة وقعت على رأسي ..
فماذا يظن الفقراء بي ؟؟ ولماذا يختاروني دون عن الناس ؟وكيف اساعد هذا المسكين ؟ مضت بضعة ايام وانا اجد بصمة اعجاب يبعثها لي بالرسائل فتآلمت اشد الالم وانا عاجز عن مساعدة ملهوف لا يرى الا حاجته ...
ذهبت الى كربلاء برفقة احد الاخوة وحدثته بامر الرجل فقال ماذا قلت له ؟ قلت : الله كريم ولا اظن الله سيخذلني .
زرنا الامام العباس والحسين عليهما السلام ومن ثم عرجت على حبيب بن مظاهر فخاطبته : اي شيخي ان هذا المحتاج يأمل بي خيرا ولا اظن الحسين سيتركني ..
وعدنا للبيت نتجاذب اطراف الحديث حتى منتصف الليل فرن جرس الهاتف ليحدثني احد الاخوان ويخبرني انه ارسل لي مبلغا لأوزعه على المعوزين فقلت عندي حالة واحدة ولكنها تستحق فاجازني بذلك ..
اغلقت الهاتف امام دهشتي ودهشة الصديق امام سرعة استجابة دعوة هذا الملهوف . .
عدت لبغداد وقررت الليلة زيارة الرجل واخذت عنوانه واصطحبت احد ابنائي وعثرت عليه وليتني لم اعثر عليه .. وجدت رجلا عاجزا بائسا ايما بؤس . يعيش وعياله في شيء يشبه البيت خال من اي اثاث عدى سرير وضع له وحصير لا يستحق تسميته بالحصير . . وجدت فقر حقيقي وجوع حقيقي وتعفف حقيقي ..
رحب بنا واجلسني وبدأ الحديث وانا استنطقه لاعلم ما خلف طيات حديثه فحاصرته ليعترف لي بأن فطوره وعياله اليوم لا يحوي غير الخبز والطمامة فبكيت بين يديه كثيرا وانتحبت كطفل صغير وشعرت بظلمي كأحد افراد هذا المجتمع الذي لا يستطيع النوم من التخمة. المجتمع الذي يرمي من الطعام الفاخر الثمين في فواتح الموتى ما يكفي هذا الفقير لشهر..
بكيت لان احد اولادي امتنع بالامس عن تناول الفطور لانه لا يحب تناول حساء الشجر .. بكيت لأني رأيت الشحوب في وجهه المتعب ..
بكيت لمشهد بيوت الفقراء ..
المهم اعطيته ما اتاني وزدت عليه بعدما اخبرني ان ابنته الكبرى في السادس الاعدادي ولا تملك ثمن ملازم كما تملك زميلاتها .
ووعدته اني عائد اليه واخذت منه اذنا بنشر قصته حتى لا يقول قائل من سكنة بغداد لا اعلم ان هنالك فقراء لا يفطرون الا على خبز وطماطم ..
فاجاب : ان العوز والفاقة اهم من السمعة فافعل ما تفعل فقد مسني الضر !!
فانظروا ماذا تفعلون لهذا الرجل وهو بأمس الحاجة لابسط الاثاث وبحاجة لمورد يقوم حالته حتى اجراء عملية اخرى وبحاجة لاجراء عملية للمفصل المعيوب وبحاجة لكهرباء فهو وعياله يعيشون باربعة امبيرات من المولد لان لا كهرباء وطنية لديهم وقد طلبوا منه مليون دينار لتجهيزه بالكهرباء ثمنا لكيبل ( ظفيرة ) وكاجور عمل . والله المستعان
https://telegram.me/buratha