قاسم العجرش ||
نحن الآن نقف في موقع المشاهدين المتفرجين؛ على مسرحية هزلية مبكية، هي مسرحية الأزمة المالية التي وضعتنا فيها الإدارة المالية للحكومة الحالية، وسبب الاعتقاد بأن قصة العجز المالي عمل “مسرحي” أو قصة “ممسرحة”، هو أن العراق لم يعش فصولها بشكل تراتبي منطقي..
فجأة ومع تولي الحكومة الحالية مهامها، وإيكال وزارة المالية التي تعد عصب تسيير أمور الدولة، الى وزير مالية يحمل توجهات لا تنتمي الى الواقع العراقي، بل في أغلب التصرفات والقرارات التي اتخذها ويتخذها، يُلحظ فيها أن له انسجامات مع اشتراطات صندوق النقد الدولي، وهي اشتراطات قاسية تُملى على الدول بعقلية ربوية صارخة، ولا تنسجم مع تطلعات الشعوب، وكان لها انعكاساتها السلبية المدمرة حيثما جرى تطبيقها.
قصة العجز المالي والذهاب الى الاقتراض الداخلي أو الخارجي، قصة تحتاج الى مراجعة، ويتعين إعادة كتابة فصولها كلما توفرت معلومات جديدة، أو صدرت عن وزارة المالية قرارات أو تعليمات جديدة.
كمدخل للتفكير، فإنه حتى في النُظُم الاقتصادية القوية، ومهما بلغ حجم الاقتصاد في الدول، ومهما تعدّدت مواردها ومدخلاتها المالية، إلا أن الحكومات تذهب الى الاقتراض لأسباب كثيرة، ومن المؤكد أنه لا توجد دولة في العالم، ليس لديها دين عام، ومن المستحيل أن نجد دولة يبلغ حجم الدين العام لديها صفر.
الحكومات تلجأ الى الاستدانة لتمويل الاحتياجات المؤقتة أو الطارئة، وعندما يحصل عجز مؤقت في الموازنة، فإنها تتصرف وفق قاعدة الاستدانة المؤقتة لمواجهة الاحتجاجات المؤقتة، ولذلك تذهب الحكومات الى الاستدانة، عندما تكون الإيرادات الفعلية أقل من النفقات المتوقعة.
في حالات العجز الطارىء، تلجأ البنوك المركزية في الحكومات الراسخة بالعمل المُؤسّساتي الرصين، إلى إصدار سندات خزانة قصيرة الأجل لتمويل هذا العجز.
كقاعدة عامة، فإن اللجوء الى الاستدانة أمر غير مستدام، ولا يتم الذهاب اليه إلا كآخر وسيلة لمعالجة المشكلات المالية، أو المصدر لتمويل عجز الموازنة، ومعظم الحكومات تفضل تحمّل عبء الدين العام، على خفض الإنفاق العام أو رفع الضرائب، خوفًا من التبعات السياسية لهذه القرارات.
قبل اللجوء الى الاقتراض وتضخيم الدين العام، يفترض بالسلطة المالية تعظيم عقلائي للموارد، ويقتضي الذهاب الى الوسائل التي لا تتسبب بحدوث اضطرابات مجتمعية، إلا إذا كانت الإدارة المالية ولخدمة أهداف مشبوهة، تريد حدوث مثل هذه الاضطرابات!
اللجوء الى الاستدانة أمر شائع، لتغطية النفقات العامة، في أوقات ارتفاع معدلات البطالة وركود الاقتصاد، لكنه يبقى آخر وسيلة للعلاج بعد استنفاذ الوسائل العقلائية لتعظيم الموارد المالية، وعادة يتحقق أكبر حجم للدين العام في حالات الطوارئ مثل الحروب والكوارث الطبيعية والأزمات المالية، وعندما لا تصلح وسائل أخرى، مثل رفع الضرائب لمواجهة الحالات الطارئة.
فرض الضرائب والرسوم غير المباشرة، يُعَدُّ واحدا من أهم وسائل تعظيم الموارد، وهو خيار ممتاز لمواجهة الأزمات المالية، وهناك حزمة من الخيارات يمكن اللجوء اليها دون أن تتسبب بردات فعل مجتمعية..
أهم وسائل مواجهة الأزمات المالية، هو ضبط واردات المنافذ الحدودية، وتخليص الجباية الكمركية من هيمنة الفساد؛ نشير هنا الى أن الإدارة الكمركية جزء من السلطة المالية، وهي أمر له دلالاته العميقة(..!).. جباية الرسوم على مختلف النشاطات التي أغمضت الأجهزة التنفيذية عيونها عنها، كرسوم الإعلان مثلا، رسوم استخدام الطرق العامة، إيقاف عملية الاستخذاء الى ألأردن وبيعه النفط بثمن شبه مجاني، إيقاف استيراد المواد الكمالية والسلع غير الضرورية، جباية أجور الماء والكهرباء والمجاري..وغيرها عشرات من المفردات، قبل إحراق الشارع العراقي بقرار فرض الضرائب على الرواتب.
كلام قبل السلام: الضرائب على المدخولات حق للحكومة، وهو أحد تعبيرات المواطنة، لكنه حق منوط بتنفيذ واجباتها تجاه المواطن، وهو أمر لم تقم به جميع الحكومات التي تعاقبت على العراق، منذ 1920 ولغاية اليوم، ولذلك ليس لدى العراقيين قبول للتعاطي مع قوانين الضريبة، وتحول التهرب الضريبي الى ثقافة..!
سلام..
https://telegram.me/buratha