✍ : د. عطور الموسوي ||
اللهم أدخل على اهل القبور السرور, اللهم أغن كل فقير, اللهم أشبع كل جائع... الى آخر دعاء من أدعية شهر رمضان اليومية كلما قرأته ورددت عبارة أهل القبور تبادر لذهني سؤال مُّلح هل حظي شهداءنا بقبور؟ نعم الى حد هذه اللحظة لم تعرف أغلب عوائل الشهداء كيف فارق شهيدهم الحياة... هل فجر في الألغام وتناثرت أشلاؤه؟ ام أذيب جسده في احواض التيزاب؟ أم فرمته مفارم البشر الضخمة التي تواجدت في أقبية ودهاليز دوائر مايسمى بالأمن؟ وحتى الذين أعدموا شنقاً أو صعقاً بالكرسي الكهربائي أين الاجساد؟
سمعنا بُعيد سقوط نظام البعث ثمة مدافن في مناطق مختلفة من العراق كانت تردهم تباعاً سيارات محملة بضحايا البعث, وظهرت على شاشات التلفزيون صوراً مريعة لمقابر جماعية تراكمت فيها الأجساد بعضها فوق بعض ولاحت للعيان هوية المغدورين فهذه عباءة بقيت تلف جسد امرأة عراقية شريفة وإن استحالت الى عظام... وهذا عقال عربي مازال يتوج رأس صاحبه وإن غدا جمجمة نخرة.. وهذه لعبة طفل ماغادرت أصابع طفل قد ضمتها عند الدفن وهذه قنينة رضاعة ما انفكت تحتفظ ببقايا الحليب الذي ما أتم شربه ذلك الرضيع المغدور.. وبدلة عسكرية مزقتها رصاصات البعث.. وعصبة عين بقيت مشدودة لتغطي العيون وإن استحالت الى محاجر...
إنه قدر العراقيين الشرفاء قد حرموا من أبسط حقوق الميت: الغسل والتكفين والتشييع والصلاة والدفن الشرعي وكأن الطاغية قد فعل ذلك امعاناً في ترويع ذويهم لئلا يتحولوا الى رموز يزورهم القريب والبعيد, وللأمر غاية أخرى إذ لم يكن نظام البعث يقوى على تأجيج الرأي العام لو كان قد عمد الى تسليم جثمان كل شهيد الى أهله لامتلاءت أرض الغري بقبور الشهداء ولاكتسى جل الشعب العراقي بالسواد ولملئت الأزقة مجالس العزاء.
نعم إن صداماً شيمته الغدر فكل ضحكة مصطنعة كان يتعمد إظهارها عبر شاشة التلفزيون الوحيدة المخصصة بتغطية أخباره حصرياً كانت تخفي وراءها الويل والثبور لكل معارض وإن عارضه بالضمير.
فأهل القبور التي وردت في الدعاء أعلاه ربما صارت صفة تطلق على عشرات الآلاف من معارضي سلطة البعث الجائر عندما جعل من العراق بلداً للمقابر الجماعية.
فسلاماً سلاماً على أهل قبور ضمتهم دون غسل ودون تكفين مضمخين بدمائهم تارة، وأخرى دفنوا وهم أحياء، سلاماً على عيون بقيت شاخصة تشكو ظلم الظالمين حتى لفظت أنفاسها الأخيرة صبرا.. سلاماً على أفواه ملئها التراب اختناقاً يوم أهالوه عليها وهي بعد تلهج بذكر الله والشهادتين.. سلاماً على أرواح صعدت الى ربها راضية مرضية مطمئنة وستكون شاهدة على ماجرى في بلاد الرافدين.
اللهم أدخل على أهلنا في قبورهم السرور بحق كل أم ثكلت بولدها وكل زوجة ترملت وكل طفل تيتم وكل أب فقد فلذة كبده وضاعت أخباره ليجده عظاماً في مقابر العراق الجماعية، وربما لم يجد له اثراً فأقام له قبراً رمزياً في وادي السلام ليزوره كلما زار إمام المتقين، نعم أرواح المؤمنين تطوف في أرض الغري أينما كانت ومهما حاول الطغاة أن يحرموها الدفن في تلك البقعة المباركة.
https://telegram.me/buratha