عمار محمد طيب العراقي ||
فيما مضى من وقت كانت الدولة ـ عندما كانت لدينا دولة..!تطلب من طالبي التوظيف لديها وثيقة رسمية مصدقة من مختار المحلة وأثنين من الاختيارية أي الوجهاء، تثبت بأن طالب التوظيف شخص حسن السيرة والسلوك وأنه يصلح "أخلاقيا" لإشغال الوظيفة الحكومية..
أمنيا كانت لدينا دائرة حكومية أسمها الشعبي"دائرة طبع ألأصابع"، كانت رحمها الله تقع في منطقة العباخانة في قلب بغداد، وحتى مديرها عندما تسأله أين يعمل، يجيبك: أنا مدير لدائرة طبع الأصابع..
بالحقيقة هي دائرة القيود الجنائية، ومن بين مهامها، إضافة الى مهامها في مضاهاة طبعات الأصابع المرفوعة من مواقع الجريمة، أن تتحقق من القيود الجنائية لطالبي العمل وللطلبة المتقدمين للقبول في الجامعات، وللراغبين بالحصول على جواز سفر، وإجازات استيراد ..و..و..وكان المراجع الى هذه الدائرة يخرج منها وقد تلطخت أصابعه العشرة بحبر اسود يقضي أياما يغسله بمختلف مواد الغسيل الى أن يزول، في بعض الحالات يلتحق طالب الوظيفة بوظيفته وما زال أثر صبغة الأصابع عالقا!..
إنقضى ربع عام 2021، وقبله ولى عام 2020 هذا الرقم الكريه على البشرية جمعاء، وعلى شعبنا على وجه الخصوص، وانتظرنا ربع عام 2021هذا الوقت لتقر موازنة العام، وإذا بها موازنة جوع وتركيع تشم من بين فقراتها روائح التطبيع ..
ثمة مقياس عملي علمي؛ لتبين حسن أداء الدولة بمؤسساتها التنفيذية (الحكومة) والتشريعية (البرلمان) والقضائية..المقياس ينطلق من التحقق من إنفاق التخصيصات المالية للعام المعني بالقياس، ويفترض في مؤسسات الدولة جميعا، أن تقدم حساباتها الختامية الى سلطة مختصة في جسم الدولة، مهمتها القيام بالتحقق من ذلك...
الذي حصل أننا ولغاية هذه الساعة لم نتحقق مما أنفق في بلدنا منذ عام 2003، كما اننا لم نعرف لغاية الساعة ما تحقق من إيرادات، فكلها بقيت وستبقى في ظهر الغيب، وليست لدينا مؤشرات يمكن الركون الى صحتها، المؤشرات التي نستخدمها مازالت تعتمد على الشفاهية في تقرير مستقبلنا..!
في معظم الأحوال ليست لدينا وثائق تثبت أين نقف الآن، وإحداثيات موقعنا على خارطة حسن الأداء وفقا لمعايير دولية مجهولة تماما..
أقرت ميزانية هذا العام، وفي صدد العام المنصرم وما سبقته من أعوام، لم يقدم أحدا ما في كل جسم الدولة بيانات عما أنفقه في العام السابق والأعوام التي سبقته..هذا يعني أن ما خصصناه لأجهزة الدولة كي تنفقه من أجلنا ما زال في ذمتها..ولذلك يكثر الحديث عن الفساد في مؤسسات الدولة!
الدولة إذن غير مبرأة الذمة أمام شعبها، وتلك نقطة جوهرية وحيوية في تقرير خياراتنا المستقبلية..نقطة تدور حول محور شرعي يقول: كيف يتسنى لي المضي الى أمام في تنفيذ العقد الاجتماعي بيني كشعب والدولة كمؤسسات وهي لم تبريء ذمتها للجزء السابق من فقرات هذا العقد؟!
ميدانيا وعلى الأرض لم نتحصل حتى الآن على وثيقة تؤكد فيها أننا حصلنا في العام المشؤوم المنصرم ٢٠20 على إيجابيات في مجالات متعددة حتى نؤكد للجيل الذي فقد الوعي في ٢٠١9 أننا سنزيد من إنتاجنا في هذا الاتجاه بنسبة تزيد عن كذا في المائة في العام ٢٠١9 في كل مجالات العمل الاقتصادي والسياسي في الدولة..
بغياب مثل هذه الوثيقة التي تثبت حسن ألأداء في العام المنصرم والأعوام التي سبقته، سنبقى نتحرك بأتجاهات طارئة، وفي معظم الأحوال ستكون الأتجاهات الطارئة إتجاهات خاطئة، لأنها بنيت على إحداثيات ليست معلومة ..
إن وثيقة حسن السلوك مهمة جدا وهي موجودة في كثير من دول العالم، وهي تؤدي الى إنشاء نظام سياسي مستقر يبني دولة مؤسسات
وثيقة حسن السلوك هي استراتيجية نفسية تبنى من خلالها أخلاق المجتمع وأخلاق الدولة..
شكرا
15/4/2021
https://telegram.me/buratha