قاسم العجرش qasim_200@yahoo.com
يذهب العقل الى أن أنواع العلاقات بين البشر، ومنها تلك التي بين الدول والحكومات؛ هي التواصل أو الإنقطاع، والأولى تؤدي بالنتيجة الى التعاون فيما تفضي الثانية الى العداء، وما بين التواصل والإنقطاع ثمة مسافة هي الإتصال المتقطع، ونتيجتها حالة اللاسلم واللاحرب بين الدول، أوحالة التنافر بين الأفراد.
لكن على العموم، فأن يكون التناقض والتنافر والضدية، هي السمة الغالبة لشكل العلاقة بين الظالم والمظلوم، وهي علاقة لن تولد إلا النبذ أو الحرب والمواجهة أو المقاطعة..وهذا هو شكل العلاقة بين الشعب الفلسطيني؛ والعصابات الصهيونية التي استولت على أرضه، وأنشأت عليها كيانا غاصبا أسمته "إسرائيل".
الكيان الإسرائيلي لم يُبنَ على أي أساس قانوني، بل أن إنشاءه تم بالقوة الغاشمة، المدعمة بأوهام العقيدة التوراتية، وبوعد بريطاني بمنح اليهود وطن قومي في فلسطين، وتقف وراء إنشاء إسرائيل، مصالح إستراتيجية مشتركة كبرى للغرب واليهود، وتظافرت المسيحية واليهودية، فضلا عن بعض الأطراف الإسلامية، على صناعة هذا الكيان اللقيط.
قصة إنشاء هذا الكيان وكيفيته، وحجم الجرائم التي ارتكبها اليهود، وخلفهم الغرب بإمتداده الأمريكي، تستوجب التنافر الكلي والصراع الوجودي والقطيعة، بين المعتدي والمعتدى عليه، نشير الى أن دائرة المعتدى عليه أتسعت، بإتساع دائرة المعتدين، فمثلما وقف الغرب وألأمريكان وبعض المسلمين المنخرطين بالمشروع الصهيوني مع قيام إسرئيل، فإن من الطبيعي أن تقف الأمتين العربية والإسلامية مع الشعب الفلسطيني المظلوم..كان هذا المشهد على صورته لغاية حرب حزيران 1967.
العرب عبئوا صفوفهم "ظاهريا" ضد إسرائيل، عبد الناصر كان يهدد بإلقاء اليهود في البحر، على مدى خمسة عشر عاما منذ 1952 لغاية 1967، لكن في نهاية المطاف خسر العرب معركتهم الكاريكاتورية في حزيران 1967، وحصلت النكسة، ومن يومها بدأ مسلسل التنازلات والتطبيع مع اليهود، على الرغم من لاءات العراب الثلاث المعلنة في الخرطوم في 29 أغسطس 1967 على خلفية هزيمة عام 1967، (لا صلح ولا اعتراف ولا تفاوض).. مع العدو الصهيوني قبل أن يعود الحق لأصحابه..!
المطلع على الأمور ويقرأ بيان العرب آنذاك بعين بصيرة، سيكتشف أن الزعامات العربية مرتهنة الإرادة للغرب عموما، ولبريطانيا وأمريكا وفرنسا خصوصا، وسيكتشف حجم النفاق العربي، وحجم الزيف والخداع والتظليل، الذي كانوا يمارسونه بحق القضية الفلسطينية، وبحق التاريخ والجغرافية!
ومع كل الإرتهان العربي، فإن الغرب واليهود عملوا بقوة وهدوء معا، على أن تتشكل علاقات عربية رسمية وغير رسمية، سياسية واقتصادية وثقافية وعلمية واستخباراتية مع الكيان الصهيوني، لكي تصل في نهاية الأمر الى التطبيع.
التطبيع هو تسليم للكيان الصهيوني بـ"حقه" في الأرض العربية بفلسطين، وبـ"حقه" في بناء المستوطنات، و"حقه" في تهجير الفلسطينيين، و"حقه" في تدمير القرى والمدن العربية، وهكذا يكون التطبيع هو الاستسلام؛ والرضا بأبشع مراتب المذلة والهوان، والتنازل عن الكرامة وعن الحقوق.
يتفاقم خطر التطبيع؛ إلى حدّ اعتبار القمع الذي يتعرّض له الشعب الفلسطيني أمرا "طبيعيًّا" لا مجرد استسلام للواقع. ولإشاعة روحية الإستسلام، يذهب المنظرين للتطبيع، إلى القول بأن العرب "يستحقون" هذا القمع لعلة فيهم، وفي "العقل العربي" وفي تاريخه وفي دينه وفي تركيبته الإجتماعية، ويروجون الى أن لا أمل لنا بحياة ورفاهية نستحقها، وفقا لما نمتلك من ثروات نفطية هائلة، إلا بالتخلي عن مسببات علتنا، التي هي ديننا بالدرجة الأساس..!
لذلك جاءنا بابا المسيحيين "حاجا" الى أور، مبشرا لدين جديد بديل عن إسلام محمد صلى الله عليه وآله سلم، لأن الإسلام كدين يمثل النقيض الأقوى، القادر على إزالة الظلم والعدوان اليهودي المسيحي..
ثمة صراع بين الوعد التوراتي بإقامة وطن يهودي، يمتد بين الشريطين ألأزرقين في علم إسرائيل، وبين وعد إلهي بإقامة دولة العدل الإلهي، " حيث يملك القائم ويملأ الأرض عدلا وقسطا كما ملئت ظلما وجورا، فيفتح الله له شرق الأرض وغربها، ويقتل الناس حتى لا يبقى إلا دين محمد (ويسير) بسيرة سليمان بن داود، ويدعو الشمس والقمر فيجيبانه، وتطوى له الأرض ويوحى إليه فيعمل بالوحي بأمر الله "(حديث نبوي مؤكد من الفريقين)..!
معرفته بأبعاد هذا الصراع، هي التي دفعت ببابا المسيحيين التوراتي، الى أن يأتي الى العراق؛ بمشروع الديانة الإبراهيمية التي تعني إلغاء الإسلام.
https://telegram.me/buratha