قاسم العجرش ||
أحيانا كثيرة، وحينما يحين موعد كتابتي لهذا العمود، أبدو عاجزا عن الكتابة، ليس لخلو الذهن مما يمكن أن أكتبه، بل لازدحام المواضيع فيما تبقى عندي من عقل!
أقول فيما “تبقى” عندي من عقل، لأن اللامعقولات واللامقبولات، هن السائدات في وطننا الذي ينوء بحملهن، وفي مسرح اللامعقول العراقي، نحاول أن نفهم السياسة، التي يطلق عليها كثير من الناس مفردة”بحر السياسة”..!
لم يستقر التراث المعرفي للبشرية على توصيف ناجع للسياسة، ولم نصل بعد إلى استقرار في عدها علما أو هي فن، فالأكاديميون الذين سلكوا في السياسة مناهج البحث العلمي، استقروا على أن السياسة علم متكامل، له أسسه وقواعده وتأريخه وتراثه، بينما المنخرطون في الحقل السياسي، يتفاوت فهمهم لها؛ بين أن تكون فنا أو ممارسة، وبين الفن الممارسة تقع مساحات خلط الأوراق!
لدى المنخرطين في الحقل السياسي؛ لا يوجد أصدقاء دائميون، وبنفس الوقت لا يوجد أعداء دائميون، وتسود عقلية التغالب، التي يصنف بموجبها الطيف السياسي إلى خصوم أو منافسين، ولا شيء غير ذلك، حتى داخل الكيان السياسي الواحد، فإن الخصومة والتنافس هي التي تطبع الحياة السياسية الحزبية بطابعها.
في هذه الأجواء التغالبية، فإن السائد هو لعبة(خلط الأوراق)، التي تهدف إلى إرباك الخصم والمنافس، وجعله يحار في فهم نوايا خصمه أو عدوه، وهذا ما يكون في سياسة الدولة الخارجية.
أما خلط الأوراق كسياسة داخلية؛ والتي يفترض أن تكون، سياسة ثابتة صريحة واضحة معلنة، حسب برامج مسبقة، يعلنها أي حزب أو فئة، ويطرحها ويروج لها ليكسب الرأي العام، وبالتالي الفوز بالانتخابات بهدف تسلم السلطة، كما هي الحال في معظم البلدان؛ التي تحترم عقول جماهير شعبها وأمانيهم وطموحاتهم، لكن الحاصل عندنا هنا في العراق، فعلا هو أن السياسة سلسلة عمليات تضليل وكذب ونفاق، وصراعات حزبية تقوم على الغلبة للأدهى والأقوى، وليس فيها مساحات محرمة أو مثابات محترمة..
الابتذال والشتيمة والتهاتر؛ صارت من لوازم العمل السياسي، فالمواقف المتناقضة بين القوى السياسية العراقية دون استثناء أي منها؛ وصلت إلى أبعد حدود التطرف، على الرغم من عدم أحقية أي طرف عراقي في تهميش طرف عراقي آخر.
عملية خلط الأوراق, برزت على أشدها في قصة إقرار موازنة 2021، فطيلة الوقت الذي اقتضته عملية إقرارها، لم يكن للمواطن وهمومه وانشغالاته واحتياجاته، أي قدر من الحضور في أذهان القوى السياسية، التي تراوحت مواقفها بين اللصوصية المعلنة للقوى الكردية، وبين الابتزاز السني الفج، والاستخذاء المقزز المهين للقوى الشيعية، وبين هذا وذاك، ولدت موازنة، بطعم الفساد، ولون النذالة، وشكل الخذلان!
لا يمكن لأحد ما أن يعلن عداءه لدولة مؤسسات..أي دولة تضمن الاستقلالية والفصل بين السلطات التشريعية والتنفيذية والقضائية، وتضمن الحريات وحقوق الإنسان، والحاجات والخدمات الأساسية للمواطن: سكن ، صحة ، تعليم ، أمن ، خبز…وقبر أيضا شريطة أن لا يكون قبرا استثماريا..!
لكن كيف يمكن أن نصل إلى هذه الدولة، بالموازنة التي تستحق أقذع مما ذكرناه، لصوصية..ابتزاز..خذلان؟ !..
في المحصلة أن عقلية التغالب تعمل حثيثا، على هدم دولة المؤسسات ونقض قواعدها..بعضهم من داخلها، أي من داخل المؤسسة الحاكمة، وبعضهم من خارجها، وإذا كان الأخيرين لا يخفون عداءهم للدولة الهدف، فما هو هدف الذين في داخل الدولة والمؤسسة الحاكمة من تدميرها؟!.
كلام قبل السلام: أوَ ليست إذا سقطت الدولة ستسقط على رؤوسهم هم قبل غيرهم؟!.إذن لابد أنهم مثل دمى لعبة القراقوز، مربوطون بخيوط يحركهم لاعب يتم قصته بهم على النظارة والمشاهدين..ارتباط بأجندات خارجية هو الذي ينقض قواعد وأسس بناء الدولة، ويبعدنا كلما مضى الزمان بنا، عن الوصول إلى هدفنا، في عراق مستقر آمن تديره دولة المؤسسات.
سلام..
https://telegram.me/buratha