قاسم العجرش qasim_200@yahoo.com ||
في لحظة سقوط الصنم البعثي، خيل لنا ان كل شيء سيكون على ما يرام، وتصورنا اننا سنذهب نحو دولة مؤسسات ونظام حريات، يعرف كل منا فيهما ما له وما عليه، وأننا سننشيء منظومة حقوق وواجبات متكاملة، وقد بدا ذلك ممكن؛ ونحن نضع دستورا ونشرع بعملية سياسية، بيد أن العقبات التي تناسلت بطريقة الإنشطار الأميبي، سرعان ما بدأت تفعل فعلها، معرقلة أي محاولة لأن نمضي الى أمام في تحقيق تصوراتنا.
أحد كبريات تلك العقبات؛ هي الحصانات السلبية في المجتمع، التي تمثل كوابح معيقة للوصول الى ما نصبو اليه، وتقف العقلية القبلية التضامنية، في طليعة تلك الحصانات..
القبيلة كبنية مجتمعية أساسها الأسرة، نظام إجتماعي متوارث لا غنى عنه، خصوصا إذا نظرنا الى النصف المملوء من كأسه، لكن في النصف الفارغ؛ ثمة إسقاطات لثقافة القبيلة على العملية السياسية، وعلى مخرجاتها، وأيضا على مؤسسات الدولة.
هكذا تحولت مؤسسات الدولة الى قبائل، الوزارات قبائل، الهياكل الإدارية قبائل، الهياكل القضائية قبيلة تتفرع عنها عشائر، الصورة أكثر وضوحا؛ في ضفة الأحزاب والكيانات السياسية، والحصانات السلبية في المجتمع، والناتجة عن شيوع القبائلية لا تقف عند هذا الحد، بل إنها تشمل نمطا آخر من الحصانات أكثر خطورة، توفره ما تسمى بمنظمات المجتمع المدني، والنقابات العمالية والمهنية والشرائحية، وهي هياكل ازدهرت مع بداية المسلسل الديمقراطي في بلادنا، فهي الأخرى ايضا باتت قبائل!
بسبب الحصانة التي توفرها العقلية القبائلية، لا يمكن أن يُلقى القبض على فاسد، معلوم الفساد وبالجرم المشهود، إلا وتحركت قبيلته الشرائحية دون خجل؛ للتضامن والدفاع عنه، وبعض الشرائح، تقوم بنفس الدور السلبي الذي كانت تقوم به القبيلة..
في السنوات الأخيرة ظهر نمطٌ جديدٌ من الحصانة السلبية، ويتمثل هذا النمط في الحصانة الحقوقية والقانونية، التي يتدرع بآهابها كثير من الفئات.
اليوم يمكن لأي "ناشط مدني" أو "مدون" أو "صحفي نصف ردن" أن يسيء الى من يشاء، وأن ينتهك كرامته وعرضه، وأن يتهمه في فضاء عام؛ بتهم لا يملك عليها أدلة، وعندما يلجأ المُستهدف إلى العدالة لأخذ حقه، تطلق صفارات الإنذار في فضاء التواصل الإجتماعي الأزرق، وتتحرك الجيوش الأليكترونية للقبائل "السياسية" و"الحكومية: و"المدنية"، بحملات تضامن واسعة وحسب إنتماء المُسيء، لدرجة قد يُخَيَّل فيها للضحية المسكين أنه هو الظالم وليس هو المظلوم!
في مرات عديدة شاهدنا "نواشيط ومدونين وصحفيين"، ارتكبوا عدوانا بحق مواطنين أو بحق الدولة، ومع ذلك فقد خرجوا من تلك الأحداث والمعارك برؤوس مرفوعة، بينما خرج الضحايا برؤوس منكسة!
يمكننا أن نكرر بالغدو والآصال، أن العراق يعاني من الفساد والتخلف، ولن يعترض أي أحد على ذلك، ما دمنا لم نذكر الفاسدين أو المتسببين بالتخلف بأسمائهم، ويمكننا ان نقول أن الدولة برمتها فاسدة دون أن نتعرض الى المسائلة القانونية، لكن سيحل علينا الويل والثبور وعظائم الأمور؛ إذا أشرنا الى فساد مؤسسة بعينها.
يمكننا أن نقول؛ أن المؤسسات الأمنية والعسكرية والخدمية تضم آلاف الفضائيين، لكن حذار أن نحدد بالضبط أين يكمن هذا الفساد..!
بل يمكننا ان ننشر تدوينة نقول فيها إن العدالة فاسدة، ولكن بشرط أن نستثني القضاة من ذلك الفساد؛ ويمكننا أن نقول إن التعليم فاسد، ولكن علينا إستثناء العاملين في هذا القطاعه من ذلك الفساد!
يمكننا أيضا أن نقول إن قطاع الصحة فاسد، ولكن بشرط أن نستثني الوزارة والأطباء والممرضين من ذلك الفساد...وهكذا وصولا الى شرطة المرور!
كلام قبل السلام: هكذا يمكننا أن نتوصل إلى استنتاج غرائبي عجيب، هو أن بلادنا تعاني من فساد كبير، ولكن لا يوجد بها فاسدون أو مفسدون!
سلام..
https://telegram.me/buratha