✍ د. عطور الموسوي ||
ماكنا نتوقع يأتي يوما وينتهي حكم الطغمة البعثية الجائرة، التي جثت على صدورنا ثلاثة عقود ونيف.. فكيف نتوقع أن يحاكم رأس السلطة صدام حسين ورموزها المجرمون..
وشاءت إرادة الله سبحانه أن يتحقق حلما راود ملايين الضحايا، وسقط الصنم وتهاوت بعده أصنام عديدة وتبعثرت صوره المليونية التي ملأت أزقة الأحياء مهما كانت صغيرة.
وفر (المغوار) الى جحر تأباه الحيوانات منهزما، وقد ترك جيشه نهبا لأعتى قوات دولية متعجرفة وزلزلت أرضه دباباتهم وروعت الأبرياء .. ولكن ليس عجيبا أن يفر كالجرذ المفزوع وهو الذي سمح للجان التفتيش عن أسلحة دمار ثرثر بها أن تدخل قصوره العديدة وغرف نومه، وعبثت بمقتنياته الشخصية وهو القائد (الضرورة) و(عز العرب)..وهو الذي وصلت أسماءه جرأة على الله بنفس عدد أسماء الله الحسنى .
يوم 13 كانون الأول من عام 2003 ألقي القبض عليه وهو بأقبح هيئة، شعث، أغبر، قذر، والقمل يتناثر من شعره ولحيته الكثة.. نعم هكذا شاءت الإرادة الإلهية أن تنهار عنجهيته وهو الذي أراق الدماء الزكية دون ورع من الله، وهمه الوحيد أن يبدو وسيما ويلعب دور حامي البوابة الشرقية .
قرابة عامين والمحكمة الجنائية العراقية العليا تتهيأ لمحاكمته وخمس وخمسين متهما بجرائم الإبادة الجماعية وجرائم ضد الانسانية، وكان يوم 19 تشرين الأول من عام 2005 موعد الجلسة الأولى لتلك المحاكمة العلنية المتمتعة بكل معايير الديمقراطية وفق المعايير الدولية، ومع كل الألم الذي عاناه المضحون وهم يرون قتلة أحبتهم يحظون برعاية واهتمام ويتنعمون بحقوق الإنسان التي كانت عبارة محرمة ومن ينطقها يختفي وراء الشمس كما كان يعبر الناس طيلة عقود حكم البعث السوداء.. لكن الجميع ظل يتابع تلك الجلسات التي خرجت عن إطار المعقول في عدد جلساتها، ولم تجري مثلها في العالم حيث صدام المجرم المتجاهر بإجرامه ولا يحتاج الى دليل قد تم تعيين له عشرات من محامي الدفاع، وأدار جلساتها الأولى قاضيان كرديان ولم يضيرنا ذلك فهم ضحاياه كما نحن.. ولكن عندما تسنم منصة تلك المحكمة القاضي المرحوم محمد العريبي جعل لهذه المحكمة مسارا جديدا وهو يتحدث بلغة أهلنا وأوجاعهم.. نعم تحسس بكاء النساء ممن قدمن شهاداتهن وهطلت دموعه كالمطر وربما يعد هذا إخلالا بعمل القضاة .. لكنه إنسان له مشاعر حية أوجعته تلك الشهادات المؤجلة لعقدين ونيف .
قلبه العطوف هذا غير حياته تغييرا جذريا وصار يعرض خدماته لمن يحث الضحايا على الحضور لقاعة المحكمة وتقديم شهاداتهم ضد أزلام البعث متحديا مدى الضرر المحتمل الذي ربما يوقع به إداريا.
يكفيه فخرا أنه لم يهاب سطوة ذلك المجرم، ولم يسمح له أن يعيش مشاهد من عنجهيته التي استعرضها على القاضيين الكرديين، بل على العكس عامله باحتقار يستحقه ولم يخل بمهنيته العالية .
وداعا أيها القاضي المقدام وقد أوجعت بموتك قلوب أناس أبهجتهم إدارتك لجلسات محاكمة فرعون زمانهم وزبانيته، وكن على ثقة هم لم ولن ينسوا صولتك للحق أمام ذلك العتل الزنيم ولم ترتبك وتتعلثم أمامه كأحد قضاتها .
تغمدك الله برحمته فأنت حتما لن تحشر مع الظالم، وانما مع من ظلمهم من شهداء ومضحين فأنت نصرتهم وهم في عليائهم رزقك الله شفاعة الشهداء الابرار .
https://telegram.me/buratha