المقالات

الليلة العظيمة..الليلة العظيمة ..! ((2))


 

حسن كريم الراضي ||

 

أفاقت خديجة عندما هدرت السماء بصوت الرعد تتوعد بأمطار قد تغرق القرية كما ذكرت نشرات الانواء قبل يوم ولاحظت حركة الطيور في السماء وهي تحلق مسرعة وقد تنبأت بيوم ممطر . وازدحمت السدرة الهرمة أمام الدار بالعصافير وهي تحدث ضجيجا غير مألوف وتختبئ بين طيات أوراقها الكثيفة اتقاءا من هيجان السماء وزمجرتها .. تفقدت اشياء المنزل ولعب أطفالها وأدخلت كل شيء لداخل المنزل وايقظت صغارها بعدما أعدت لهم الفطور وتهيأت ليوم طويل وليلة عظيمة . فالخامس عشر من شعبان يصادف الليلة وهي مداومة على أحيائها والاحتفاء بها منذ نعومة اظافرها بعدما كان طقسا مقدسا لوالدها ومن ثم لزوجها .. نشرت الشموع الغير موقدة على دكات النوافذ وعلقت الزينة التي تحتفظ بها منذ حياة والدها وقامت وصغارها بنفخ البالونات وتعليقها على المراوح والجدران .. كانت ابنتها فاتن مولعة بالمهدي وذكره وسيرته وما سيفعل أن ظهر ؟ وتعتقد أنه أن ظهر سيعود أباها الشهيد معه وكما قال لها أباها عند اخر وداع له معهم عندما حاولت منعه من الذهاب لجبهات القتال خشية أن يقتل فأجابها وهو ينظر لامها : وان قتلت فساعود مع الإمام المهدي عندما يظهر .. وعندما تذكرت فاتن ذلك سألت امها وهي تثبت الشموع في آنية كبيرة : ماما هل سيظهر الامام الليلة ؟ حارت خديجة بالجواب وقالت : ممكن أن يظهر في أية لحظه .. وهنا قطع اخاها حيدر ذو الأربعة سنوات حديثهما عندما نهض من فراشه واتم تساؤلات أخته : أن جاء المهدي الليلة فهل سيزور قريتنا ام سيزور (الولاية) فقط ؟ تشاغلت خديجة عن جوابه وقالت لصغارها اذهبا واستعدا للاحتفال بالليلة وتسلم هداياكم في المساء ولا تخرجا إلى باحة الدار فالاجواء ممطرة وقد تتسخ ثيابكما ..  عادت خديجة إلى النافذة تستكمل شريط ذكرياتها اليومي وكيف رأها جعفر في الطريق وقد انفجر إطار سيارة أباها بعد أن اقحمتها في الأشواك وبقايا سعف النخيل في بستانهم وهي تتدرب على القيادة فخرج لها ضاحكا ساخرا من قيادتها للسيارة قائلا : الحمد لله انك لم ترميها في المبزل   فغضبت وقالت : ساعود للدار ليأتي ابي لإصلاح الإطار .. أجابها جعفر : أن رأى حاج طالب سيارته بهذا الحال فستحلمين أن يسمح لك بقيادتها يوما .. فاحتارت وايقنت أنه محق ..

 فقالت بأنف مرفوع ورأس شامخ : وما العمل برأيك ؟ أأخبره بأنها سقطت في المبزل واختفت ؟؟!!

ضحك جعفر بملأ شدقيه حتى كاد أن يختنق وبقي على هذا الحال لثوان وهي تخفي ابتسامتها بالنظر عكس اتجاهه .. ثم وبلا سابق إنذار استخرج المفتاح وفتح صندوق السيارة وعدة استبدال الإطار وقام بذلك بحركة رشيقة سريعة وببضع دقائق استبدل الإطار وأدار المحرك وأخرج السيارة من كومة الحطب ونزل ليسلمها القيادة مع تحية عسكرية جميلة اداها برشاقة وخفة متناهية  ..

اختفت الشمس تماما وتراكمت الغيوم واسودت السماء وهبت رياح باردة قوية اصطكت لها الابواب وتناثرت قطع الصفيح التي تستعمل كسقوف لزرائب الماشية وطارت لتسقط مرة أخرى إلى الأرض ولتبعث خوفا من الخروج في العراء وفعلا اختفى القرويون من الحقول المجاورة ولم تمر القرويات اليوم في الطريق لترفع ايديها تحيي خديجة التي يعرفها الجميع وقد تتلمذت اجيال على ايديها منذ عقد من الزمن .. عاودت خديجة النظر للسماء فهي مهووسة بالمطر وبالرعد والبرق وتعشق وتعشقهما منذ صغرها فالمطر في القرية يعني الخصب والوفرة والخير والنماء وليس كما هو في المدن بعدما بات سكانها يرونه نقمة يغرق الشوارع ويهدم سقوف العشوائيات المنتشرة في أطرافها .. المطر في المدينة يعني الكارثة للفقراء فهو يعطل أعمالهم ويغرق بيوتهم ويحطم سقوفهم المتهرئة .. لكنه في القرية عنوان لعام خصب رغم انه يبعث في نفسها الحزن   خديجة والحزن والمطر لا يفترقان .   تذكرت جعفر عندما وصلت إلى مقطع السياب في انشودة المطر : ما مر عام والعراق ليس فيه جوع فقد كان يطرق كثيرا عندما تردد تلك الابيات ويطلب منها تكرارها فهو لم يكمل دراسته الجامعية بعدما لم يتمكن من تسديد التزامات الدراسة المالية في المدن الكبيرة .. كان ذا ثقافة دينية عالية وقارئ نهم للتاريخ إلا أنه لم يبدي اهتماما للفنون والآداب وعندما التقته مرة في المدرسة بعدما تحجج بالسؤال عن مواظبة أخيه الصغير والتزامه شعرت بأن قلبها ازداد خفقانه وأنها ارتبكت على غير عادتها وازداد إعجابها به عندما سألته عن مهنته التي يجيد غير الفلاحة بعدما لاحظت مهارته في استبدال الإطار فأجاب : أنه مسؤول الآليات في وحدته في الحشد  بعدما كان من اوائل المتطوعين في فصائله .. وبعدما ازدادت حماستها لتعرف عن حياته أكثر روى لها كيف أنه يقابل الموت في كل هجوم ويتعرف عليه ويمهله فترة اخرى  ..وكان قد جرح في أحد المعارك فوجدت خديجة أنها لا تستطيع الصبر عن معرفة أخباره وهل ان اصابته بليغة ؟ وفعلا أقنعت أباها بالذهاب لعيادته ولم تطمئن وتهدأ حتى عاد والدها واخبرها بأنه بخير وقد جمع أغراضه ورزم حاجياته وسيعود للقتال رغم عدم التئام جرحه لانه سمع أن رفاقه سيخوضون معركة مصيرية في غرب البلاد واضاف والدها : اني لم ارى عقيدة راسخة وشوق للشهادة ووفاءا للوطن مثلما رأيت في هذا الشاب . وعندما عاد جعفر سالما وقد تحقق النصر في المعركة لم يهدر وقتا اخرا وتقدم لخطبتها فوافق الحاج طالب مبدئيا لانه يعلم أن ابنته وجدت ضالتها وستوافق مباشرة على الاقتران به وفعلا كان ذلك وتزوجت خديجة بجعفر وانجبت له حيدر وفاتن ولكنه ذهب ولم يعد الا باوصال مقطعة جمعت بغطاء  لم تتعرف فيها على يده من قدمه عندما اصرت على فتحها لالقاء نظرة اخيرة على حبيبها الشجاع .. ثم توفى والدها فعاشت خديجة وحيدة في بيت ريفي كبير وجميل بني على أرض مرتفعه تشرف على الحقول المجاورة وعلى طريق نيسمي يشق القرية إلى نصفين ومحاط بالنخيل وأشجار التين والبرتقال والنارنج واشجار الكالبتوز والسدر التي تحيط بالمزارع الواقعة على الطريق .. عاشت خديجة  مع ذكرياتها وكرست نفسها لايتامها وتربيتهم ولوظيفتها التي تقدسها بعدما أوصلت الكثير من اطفال القرية إلى مراحل متقدمة تقضي وقتها مع طفليها تعلمهم ما لا يعلمه خريجي الابتدائية فاضحيا بذكاء غير مألوف يضاف إلى جمالهما الغير مألوف .. كانت تصبرهما بالقول إن اباكما حي وهو مع الصالحين وقد يعود يوما مع الإمام المهدي كما اخبركما قبل رحيله فتهدأ نفوسهما ويزدادان تمسكا بالمهدي وظهوره المنتظر ويتحمسان لنشر العدل بعدما قضت أمهما ليال وايام تروي لهما الروايات وتقص لهما قصص الظهور خاصة بعدما تعطلت المدارس بعد اجتياح وباء كورونا العالم ليعطل كل شيء وقبله جائحة تشرين التي كان شعارها المقدس ان لا وطن ولا دوام ـــــــــــــــــــــ

اشترك في قناة وكالة انباء براثا على التلجرام
https://telegram.me/buratha
المقالات لا تعبر بالضرورة عن رأي الموقع
اضف تعليقك
الاسم والنص والتحقق من الروبوت ضروري
الاسعار الرسمية للعملات مقابل الدينار
دينار بحريني 0
يورو 0
الجنيه المصري 0
تومان ايراني 0
دينار اردني 0
دينار كويتي 0
ليرة لبنانية 0
ريال عماني 0
ريال قطري 0
ريال سعودي 0
ليرة سورية 0
دولار امريكي 0
ريال يمني 0
التعليقات
حيدر الاعرجي : دوله رئيس الوزراء المحترم معالي سيد وزير التعليم العالي المحترم يرجى التفضل بالموافقه على شمول الطلبه السادس ...
الموضوع :
مجلس الوزراء : موقع الكتروني لإستقبال الشكاوى وتقديم التعيينات
سهام جاسم حاتم : احسنتم..... الحسين بن علي بن أبي طالب عليهما السلام.جسد اعلى القيم الانسانية. لكل الطوائف ومختلف الاقوام سواء ...
الموضوع :
الحسين في قلب المسيح
Muna : بارك الله فيكم ...احسنتم النشر ...
الموضوع :
للامام علي (ع) اربع حروب في زمن خلافته
الحاج سلمان : هذه الفلتة الذي ذكرها الحاكم الثاني بعد ما قضى نبي الرحمة (ص) أعيدت لمصطفى إبن عبد اللطيف ...
الموضوع :
رسالة الى رئيس الوزراءالسابق ( الشعبوي) مصطفى الكاظمي
فاديه البعاج : اللهم صلي على محمد وال محمد يارب بحق موسى ابن جعفر ان تسهل لاولادي دراستهم ونجاح ابني ...
الموضوع :
صلاة الإمام موسى بن جعفر الكاظم (عليه السلام) لقضاء الحوائج
محمد الخالدي : الحمد لله على سلامة جميع الركاب وطاقم الطائرة من طيارين ومضيفين ، والشكر والتقدير الى الطواقم الجوية ...
الموضوع :
وزير النقل يثني على سرعة التعاطي مع الهبوط الاضطراري لطائرة قطرية في مطار البصرة
Maher : وياريت هذا الجسر يكون طريق الزوار ايضا بأيام المناسبات الدينية لان ديسدون شارع المشاتل من البداية للنهاية ...
الموضوع :
أمانة بغداد: إنشاء أكبر مجسر ببغداد في منطقة الأعظمية
ساهر اليمني : الَّذِينَ إِن مَّكَّنَّاهُمْ فِي الْأَرْضِ أَقَامُوا الصَّلَاةَ وَآتَوُا الزَّكَاةَ وَأَمَرُوا بِالْمَعْرُوفِ وَنَهَوْا عَنِ الْمُنكَرِ وَلِلَّهِ عَاقِبَةُ الْأُمُورِ ...
الموضوع :
السوداني : عاشوراء صارت جزءا من مفهومنا عن مواجهة الحق للباطل
هيثم العبادي : السلام عليكم احسنتم على هذه القصيدة هل تسمح بقرائتها ...
الموضوع :
قصيدة الغوث والامان = يا صاحب الزمان
فيسبوك