المقالات

احزاب عابرة للحدود الدولية..!


 

محمد عبد الجبار الشبوط ||

 

شهدت الدولة العراقية ظهور ثلاثة اتجاهات ايديولوجية او شبه ايديولوجية هي: التيار الشيوعي، و التيار القومي بشقيه البعثي والناصري، والتيار الاسلامي. ومع الاختلاف، بل التناقض الكبير في المنطلقات الفكرية لهذه التيارات، الا انها تتصف بميزة اساسية مشتركة هي انها تمثل ايديولوجيات عابرة للحدود الدولية للعراق. فالحزب الشيوعي يؤمن بالاممية وشعاره الرسمي "يا عمال العالم اتحدوا"، والقوميون يؤمنون بالامة العربية الممتدة من الخليج الى المحيط، والاسلاميون يؤمنون بالامة الاسلامية وعدم الاعتراف بالحدود "الوطنية" التي اصطنعها الاستعمار بعد سقوط الدولة العثمانية.

وهذا لا يعني ان الشيوعيين والقوميين والاسلاميين غير وطنيين، انما تأتي وطنيتهم في اطار نظرتهم الممتدة الى خارج هذه الحدود. ولهذا كان للبعثيين، مثلا، قيادتان: قطرية مختصة ببلدهم، وقومية عابرة لحدود هذا البلد لتصل الى بقية بلدان الوطن العربي.

ويختلف الباحثون في تقييم هذه الازدواجية (إنْ صح استخدام هذا المصطلح)، ويذكرون ايجابيات لها، فيما يذكر غيرهم سلبياتها. ولكل وجهةٌ هو موليها. والمؤكد ان الايجابيات والسلبيات موجودة هنا وهناك بهذا القدر او ذاك.

لكن لا يمكن  تجاهل ان تلك النزعة العابرة للحدود الوطنية الدولية كانت تتغدى على افكار حالمة ورومانسية، قادرة على القفز على واقعها الوطني والارتباط نفسيا وشعوريا بواقع متخيل تغذيه ايديولوجيات لا تقيد نفسها بحدود وطنية "مصطنعة". واذا كان البعض يعتبر ان هذه نقطة ايجابية، فانها تتحول الى سلبية في حال وجود "الدولة القاعدة" التي تمثل الايديولوجية المتبناة حسب مصطلح نديم البيطار، حيث تصبح الاحزاب الايديولوجية ادوات بيد الدولة القاعدة كما حدث لها في زمن ستالين.

والسلبية الاهم التي تنتج عن هذا، ان الاحزاب الايديولوجية تتعاطف وتتضامن مع "شقيقاتها" في الدول الاخرى، لكنها غير قادرة على القيام بذلك مع الاحزاب المنافسة لها في بلدها.

وما حصل في العراق منذ عام ١٩٥٨ الى اليوم ان الاحزاب الايديولوجية التي عبرت الحدود الوطنية لم تكن قادرة على عبور الحدود الطائفية والعرقية. وكانت الاحزاب الاسلامية اكثر من جسد هذه المشكلة الامر الذي انتج احزابا اسلامية محصورة بالتخوم المذهبية والقومية. فلدينا الان احزاب اسلامية شيعية واخرى سنية، واحزاب اسلامية عربية واخرى كردية. وتمثل هذه الحالة مصادرة لاحدى المدعيات الاسلامية التي تقول ان الاسلام دين توحيدي. فاذا كان الاسلام يوحد الله، فانه لا يوحد المسلمين الذين تغلبت هوياتهم الفرعية، الطائفية والقومية، على هويتهم الاسلامية المفترضة، فما بالك بالهوية الوطنية العراقية الواحدة والمفقودة؟ ويختلف الناس في تفسير هذه الظاهرة، فاما ان الاحزاب الاسلامية لم تستطع السمو الى التوجه التوحيدي للاسلام، او ان الدعوى غير صحيحة اصلا.

يمكن تفسير الكثير من المشكلات التي يعاني منها العراق بغلبة الهويات الفرعية على المشهد، وانحباس الفاعلين السياسيين، وبخاصة الاحزاب السياسية، ضمن الحدود الضيقة للطوائف والقوميات، وبناء الدولة على اساس المكونات العرقية والطائفية.

ليس هناك الكثير من الحلول القادرة على حفظ الوحدة الوطنية للعراق، اكثر من العودة الى مبدأ المواطنة واتخاذه اساسا لبناء الدولة. ويمكن بعد ذلك هندسة الدولة بصورة تتناسب مع مبدأ المواطنة، وليس مع مبدأ المكونات. يخطيء دستورنا حين يقول في مادته الاولى ان "هذا الدستور ضامن لوحدة العراق". فالمواطنة، وبقية الترتيبات الدستورية والمؤسساتية القائمة على اساسها، هي الضامن الحقيقي لوحدة اية دولة. وليس من نافلة القول ان هذه الشروط لا تتحقق الا في دولة حضارية حديثة التي من اسسها المواطنة والديمقراطية والمؤسسات وحكم القانون والعلم الحديث. وبدون اقامة مثل هذه الدولة يبقى مستقبل العراق كدولة موحدة على المحك، او.. في مهب الريح!

اشترك في قناة وكالة انباء براثا على التلجرام
https://telegram.me/buratha
المقالات لا تعبر بالضرورة عن رأي الموقع
اضف تعليقك
الاسم والنص والتحقق من الروبوت ضروري
الاكثر مشاهدة في (المقالات)
الاسعار الرسمية للعملات مقابل الدينار
دينار بحريني 0
يورو 0
الجنيه المصري 0
تومان ايراني 0
دينار اردني 0
دينار كويتي 0
ليرة لبنانية 0
ريال عماني 0
ريال قطري 0
ريال سعودي 0
ليرة سورية 0
دولار امريكي 0
ريال يمني 0
التعليقات
حيدر الاعرجي : دوله رئيس الوزراء المحترم معالي سيد وزير التعليم العالي المحترم يرجى التفضل بالموافقه على شمول الطلبه السادس ...
الموضوع :
مجلس الوزراء : موقع الكتروني لإستقبال الشكاوى وتقديم التعيينات
سهام جاسم حاتم : احسنتم..... الحسين بن علي بن أبي طالب عليهما السلام.جسد اعلى القيم الانسانية. لكل الطوائف ومختلف الاقوام سواء ...
الموضوع :
الحسين في قلب المسيح
Muna : بارك الله فيكم ...احسنتم النشر ...
الموضوع :
للامام علي (ع) اربع حروب في زمن خلافته
الحاج سلمان : هذه الفلتة الذي ذكرها الحاكم الثاني بعد ما قضى نبي الرحمة (ص) أعيدت لمصطفى إبن عبد اللطيف ...
الموضوع :
رسالة الى رئيس الوزراءالسابق ( الشعبوي) مصطفى الكاظمي
فاديه البعاج : اللهم صلي على محمد وال محمد يارب بحق موسى ابن جعفر ان تسهل لاولادي دراستهم ونجاح ابني ...
الموضوع :
صلاة الإمام موسى بن جعفر الكاظم (عليه السلام) لقضاء الحوائج
محمد الخالدي : الحمد لله على سلامة جميع الركاب وطاقم الطائرة من طيارين ومضيفين ، والشكر والتقدير الى الطواقم الجوية ...
الموضوع :
وزير النقل يثني على سرعة التعاطي مع الهبوط الاضطراري لطائرة قطرية في مطار البصرة
Maher : وياريت هذا الجسر يكون طريق الزوار ايضا بأيام المناسبات الدينية لان ديسدون شارع المشاتل من البداية للنهاية ...
الموضوع :
أمانة بغداد: إنشاء أكبر مجسر ببغداد في منطقة الأعظمية
ساهر اليمني : الَّذِينَ إِن مَّكَّنَّاهُمْ فِي الْأَرْضِ أَقَامُوا الصَّلَاةَ وَآتَوُا الزَّكَاةَ وَأَمَرُوا بِالْمَعْرُوفِ وَنَهَوْا عَنِ الْمُنكَرِ وَلِلَّهِ عَاقِبَةُ الْأُمُورِ ...
الموضوع :
السوداني : عاشوراء صارت جزءا من مفهومنا عن مواجهة الحق للباطل
هيثم العبادي : السلام عليكم احسنتم على هذه القصيدة هل تسمح بقرائتها ...
الموضوع :
قصيدة الغوث والامان = يا صاحب الزمان
فيسبوك