المقالات

عُقَد قانون الموازنة الاتحادية


 

محمد عبد الجبار الشبوط ||

 

يمثل قانون الموازنة الاتحادية اكثر القوانين اثارة للجدل والاهتمام سنويا على المستوى الشعبي والسياسي، لانه يمثل العصب الاساسي للدولة والمجتمع. وهو ذو تأثير مباشر على حياة الناس. هو يجسد طريقة الحكومة في ادارة المال العام. والمال، اضافة الى السلطة والارض،  هو احد اهم موضوعات الصراع والتنافس بين الناس.

وما لم يتوصل الناس الى تسويات مرضية لهم في هذه المجالات فان المجتمع والدولة لن يعرفا الاستقرار. وتتم التسويات المحققة للاستقرار الحقيقي عادة وفق رؤية حضارية حديثة للدولة، وبخلاف هذه الرؤية تستمر حالة القلق بل الخصومة بين ابناء المجتمع.

وهذا هو بالضبط ما يعاني منه العراق منذ تأسيس الدولة العراقية في مطلع القرن الماضي الى اليوم. وقد تفاقمت هذه الحالة منذ عام ٢٠٠٣ بعد ان انهار مبدأ المواطنة، وظهر مفهوم المكونات الذي انتج نظام المحاصصة الطائفية والقومية والحزبية والذي شكل بيئة مساعدة على تنامي الصراعات حول الثروة والسلطة والارض بين "المكونات" وبين الاحزاب التي تدعي او تحتكر تمثيل هذه المكونات.

وكان هذا من "عيوب التأسيس" التي تراكمت منذ سقوط النظام البعثي الدكتاتوري حتى الان، ولم تجرِ اية محاولة جادة لاصلاحها رغم الدعوات الكثيرة والتظاهرات الاحتجاجية التي تجاهلت عمدا او سهوا عيوب التأسيس المذكورة وانشغلت بالتفاصيل المتفرعة عنها.

يشكل هذا الاطار العام للخلافات المتجددة سنويا حول قانون الموازنة الاتحادية، لكن قانون الموازنة لعام ٢٠٢١ تحديدا انطوى على الكثير من العقد التي جعلت النقاش حوله اكثر سخونةً والخلاف بسببه اكثر عمقا.

وقد شخصت اللجنة المالية التي ناقشت القانون الكثير من هذه العقد وقدمت الكثير من الملاحظات والمقترحات التي لم تأخذ بها الحكومة. ومن هذه العقد كثرة المشاريع الممولة من القروض الدولية والتي بلغت اكثر من ٨,٥ مليار دولار، و تخفيض سعر صرف الدينار مقابل الدولار، خصخصة جميع قطاعات الدولة الإنتاجية والخدمية الامر الذي يفتح الباب امام الفاسدين الذين اثروا بطرق غير مشروعة لشراء ممتلكات الدولة، والامتيازات التي منحها مشروع القانون لإقليم كردستان، وعدم عدالة القانون فيما يخص المحافظات المحرومة والاشد فقرا في جنوب العراق، وغير ذلك من النقاط التي اصبحت معروفة.

مشكلة الحكومة الراهنة انها تولت الحكم والعراق يعاني من مشكلات مالية وازمات اقتصادية كثيرة. ومع ان هذه الحكومة حمّلت الحكومات السابقة مسؤولية هذه المشكلات والازمات كما جاء في ورقتها "البيضاء"، الاّ ان مشروع الموازنة دلل بشكل واضح جدا ان هذه الحكومة لا تريد ان تتحمل مسؤولية حل هذه الازمات والمشكلات، او انها غير قادرة على ذلك. وليس ذلك بامر مستبعد، لان رئيس الحكومة غير قادر تكوينيا على قيادة فريق خبراء مؤهلين لاجتراح حلول صحيحة وممكنة التنفيذ للمشكلات الاقتصادية الراهنة.

وقد تطوع الكثير من هؤلاء بتقديم افكار مناسبة للحل، لكن تم تجاهل هذه الافكار والمقترحات. وعوضا عن ذلك سارت الحكومة في الطريق الاسهل بالنسبة لها وهو تحميل الشعب الكلفة المالية لسياستها الاقتصادية.

 وما تفاقم المعاناة المعيشية لفقراء هذا الشعب منذ تولت الحكومة المسؤولية حتى الان الاّ دليل على ما اقول. ويكفي ان نتذكر ان العراق تعرض الى صعوبات جمة في عهد الحكومات السابقة (الفساد، داعش، انخفاض اسعار النفط)، ومع ذلك لم يتم تحميل الشعب الكلفة المالية لمواجهة هذه الصعوبات. وبكلمة واحدة مختصرة اقول اذا كان من واجب الحكومة  اخراج البلد من ازماته المالية والاقتصادية، فان ذلك يجب ان يتم خارج دائرة الاقتطاع من قوت الفقراء. هذه هي القاعدة الذهبية التي تجاهلتها الحكومة.

اشترك في قناة وكالة انباء براثا على التلجرام
https://telegram.me/buratha
المقالات لا تعبر بالضرورة عن رأي الموقع
اضف تعليقك
الاسم والنص والتحقق من الروبوت ضروري
الاكثر مشاهدة في (المقالات)
الاسعار الرسمية للعملات مقابل الدينار
دينار بحريني 0
يورو 0
الجنيه المصري 0
تومان ايراني 0
دينار اردني 0
دينار كويتي 0
ليرة لبنانية 0
ريال عماني 0
ريال قطري 0
ريال سعودي 0
ليرة سورية 0
دولار امريكي 0
ريال يمني 0
التعليقات
حيدر الاعرجي : دوله رئيس الوزراء المحترم معالي سيد وزير التعليم العالي المحترم يرجى التفضل بالموافقه على شمول الطلبه السادس ...
الموضوع :
مجلس الوزراء : موقع الكتروني لإستقبال الشكاوى وتقديم التعيينات
سهام جاسم حاتم : احسنتم..... الحسين بن علي بن أبي طالب عليهما السلام.جسد اعلى القيم الانسانية. لكل الطوائف ومختلف الاقوام سواء ...
الموضوع :
الحسين في قلب المسيح
Muna : بارك الله فيكم ...احسنتم النشر ...
الموضوع :
للامام علي (ع) اربع حروب في زمن خلافته
الحاج سلمان : هذه الفلتة الذي ذكرها الحاكم الثاني بعد ما قضى نبي الرحمة (ص) أعيدت لمصطفى إبن عبد اللطيف ...
الموضوع :
رسالة الى رئيس الوزراءالسابق ( الشعبوي) مصطفى الكاظمي
فاديه البعاج : اللهم صلي على محمد وال محمد يارب بحق موسى ابن جعفر ان تسهل لاولادي دراستهم ونجاح ابني ...
الموضوع :
صلاة الإمام موسى بن جعفر الكاظم (عليه السلام) لقضاء الحوائج
محمد الخالدي : الحمد لله على سلامة جميع الركاب وطاقم الطائرة من طيارين ومضيفين ، والشكر والتقدير الى الطواقم الجوية ...
الموضوع :
وزير النقل يثني على سرعة التعاطي مع الهبوط الاضطراري لطائرة قطرية في مطار البصرة
Maher : وياريت هذا الجسر يكون طريق الزوار ايضا بأيام المناسبات الدينية لان ديسدون شارع المشاتل من البداية للنهاية ...
الموضوع :
أمانة بغداد: إنشاء أكبر مجسر ببغداد في منطقة الأعظمية
ساهر اليمني : الَّذِينَ إِن مَّكَّنَّاهُمْ فِي الْأَرْضِ أَقَامُوا الصَّلَاةَ وَآتَوُا الزَّكَاةَ وَأَمَرُوا بِالْمَعْرُوفِ وَنَهَوْا عَنِ الْمُنكَرِ وَلِلَّهِ عَاقِبَةُ الْأُمُورِ ...
الموضوع :
السوداني : عاشوراء صارت جزءا من مفهومنا عن مواجهة الحق للباطل
هيثم العبادي : السلام عليكم احسنتم على هذه القصيدة هل تسمح بقرائتها ...
الموضوع :
قصيدة الغوث والامان = يا صاحب الزمان
فيسبوك