المقالات

الانتفاضة الشعبانية شاهد حي على حقيقة نزعة الارهاب الصدامي

1658 2021-03-29

 

عادل الجبوري ||

 

   تعد الانتفاضة الشعبانية المباركة بما حفلت به من احداث ووقائع مختلفة في ابعادها ومعطياتها ونتائجها واحدة من ابرز واهم نقاط التحول والمنعطفات التأريخية في مسيرة الصراع السياسي بين السلطة الحاكمة المتمثلة بنظام الحكم الصدامي العفلقي من جهة، والشعب العراقي من جهة ثانية.

   هذا من جانب، ومن جانب اخر كانت بحد ذاتها فرصة ومناسبة للكشف عن الوجه الاجرامي الدموي لنظام المقبور صدام، الذي نجح لسنين طويلة في التغطية على الكثير من ممارساته والحرص على عدم اطلاع الرأي العام العالمي والعربي والاسلامي والعراقي على أي منها.

   ونحن نعيش الذكرى السنوية الثلاثين لتلك الانتفاضة، فأنه لابد من الاشارة الى عوامل داخلية وخارجية اجتمعت وساهمت في اندلاعها، وكذلك في توجيه مساراتها، وصياغة نتائجها ومعطياتها.

   ويمكن القول في سياق تناول العوامل الداخلية التي ساهمت في اندلاع انتفاضة شعبان المباركة، ان الاخيرة شكلت في واقع الامر استمرارا وتواصلا مع حركات وانتفاضات اخرى سابقة لها, مثل انتفاضة الامام محسن الحكيم في العاصمة بغداد بعد استحواذ العفالقة على السلطة في السابع عشر من شهر تموز-يوليو من عام 1968، وانتفاضة صفر في عام 1977، وانتفاضة رجب في عام 1979، ومجمل التحرك السياسي الجهادي الذي تبناه الشهيد السعيد اية الله العظمى السيد محمد باقر الصدر وكوادر جهادية خيرة من اوساط الحوزة العلمية والجامعات ومختلف شرائح المجتمع العراقي.

   مضافا الى ذلك فأن العمل السياسي والجهادي المعارض خارج العراق الذي انطلق في بداية عقد الثمانينات بقوة وزخم اكبر مما كان عليه قبل ذلك الوقت، وكانت له امتدادات واسعة في جنوب وشمال وحتى وسط العراق، ساهم ذلك العمل السياسي والجهادي الى حد كبير في تهيئة الارضيات المناسبة لتحرك شعبي وجماهيري شامل ضد نظام الحكم، واضطلع شهيد المحراب اية الله العظمى السيد محمد باقر الحكيم بدور ريادي فاعل ومؤثر في تلك المرحلة برزت مصاديقه بوضوح اكبر في مراحل لاحقة.

   فالاساليب القمعية والاستبدادية التي انتهجها النظام البائد، القائمة على التنكيل بأبشع الصور بكل من يبدي ادنى معارضة او رفض لذلك النظام، وافتعال الحروب الداخلية والخارجية، وتبديد موارد البلاد وثرواتها، والتصفيات الجسدية للطاقات والكوادر والكفاءات العلمية المختلفة ، وانتهاك حرمة المقدسات الدينية، وغيرها من الممارسات والاساليب التي ربما لم يشهد تأريخ البشرية لها مثيلا من حيث مستوى دمويتها وطبيعتها الاجرامية.

   وكل ذلك ادى الى تزايد مديات الرفض الجماهيري للنظام، وتضخم حالات الاحتقان لدى مختلف الاوساط الشعبية، وتحين الفرصة المناسبة للانقضاض على ذلك النظام، وكانت احداث ووقائع حرب تحرير الكويت ونتائجها العامل الخارجي المهم الذي ادى الى اندلاع الانتفاضة الشعبانية، ومثل عاملا مكملا ومتمما لجملة العوامل والظروف الداخلية المشار الى بعضها انفا.

  فغزو دولة الكويت من قبل النظام الصدامي البائد في صيف عام 1990 انطلاقا من حجج وذرائع واهية، ومن ثم حرب تحريرها في شتاء وربيع عام 1991، خلق ظروفا عالمية تجاوزت الجغرافية العراقية مهدت وهيأت الاجواء والمناخات الداخلية بدرجة اكبر لاي تحرك شعبي ضد نظام صدام، وهكذا كانت الانتفاضة الشعبانية التي انطلقت شرارتها الاولى مع اعلان صدام اذعانه وقبلوه واستسلامه للشروط المذلة والمهينة التي وضعتها قوات التحالف الدولي بقيادة الولايات المتحدة الاميركية، حيث كانت خيمة صفوان شاهدا على ذلك الذعان والخنوع والقبول والاستسلام المخزي والمهين والمذل بأوضح صوره.

   ومثلما يقال فأن الانتفاضة الشعبانية لم تكن حدثا منفصلا وقائما بذاته وإنما كانت نتيجة طبيعية لمعاناة شعب امتدت أعواما طويلة، لذا جاءت تعبيرا صادقاً قويا وسريعا عن الرفض الكامل لحالات الإحباط التي قادت إلى رغبة أكيدة في تمزيق القيود التي كبلت أبناء الشعب، فتاريخ شعبنا هو سلسلة من المواقف البطولية التي اتسمت بالتضحيات الجسام من أجل عزته وصون كرامته، وكانت الانتفاضة تعميدا بالدم لرفض أساليب الدكتاتورية وحكمها البغيض.

   واهم ما ينبغي التأكيد عليه هنا هو حقيقة العوامل والمسببات التي هيأت وبلورت مناخا سياسيا وفكريا ونفسيا للانطلاق بقوة نحو التغيير وآفاقه، كذلك لا بد من القول إن قرار الانسحاب وما رافقه من تأثيرات سلبية مباشرة أسهمت في إمكانية إنضاج التهيؤ الثوري الحاسم لتحطيم حاجز الخوف والبدء بتصعيد الفعالية الجماهرية للشعب للوصول إلى تحقيق الهدف المرجو، وبهذا الصدد، يمكننا أن نشير إلى أن الوقائع والدروس المستخلصة من الأحداث الكبرى والحروب عبر العقود الماضية وما تؤكده أيضا مسيرة التاريخ بأن الهزائم والمآسي التي تلحق بالشعوب بسبب إستهتار الأنظمة الديكتاتورية تتمخض عن تغييرات جوهرية في كيانات تلك الأنظمة . وإذا كانت الهزيمة أمرا مرفوضا لا يليق بالرجال أن يستسلموا لها وان الفشل عيب يجب تلافي أسبابه قبل حدوثها، فإن صدام حسين يبقى المسؤول الأول عما لحق بالجيش العراقي من إنكسار وما ترتب عليه من تقييد لحرية العراق وسيادته الوطنية وجعله عرضة للتقسيم والتشرذم.

   ومثلما صورت الانتفاضة الشعبانية حقيقة موقف الشعب العراقي من النظام المفروض عليه، والشجاعة والجرأة والاقدام التي يتحلى بها هذا الشعب واستعداده الكبير للتضحية، فأنها صورت حقيقة وطبيعة ذلك النظام الذي لم يتورع عن اللجوء الى كل الوسائل والاساليب الارهابية ضد الشعب ليبقى رأس النظام متربعا على عرش السلطة الخاوي، ويبقى ذلك النظام بمؤسساته المختلفة قائما حتى وان على جبال من جماجم وجثث الملايين من ابناء هذا الشعب، او في خضم بحر من دمائهم الطاهرة، وهكذا كان بفعل مصالح وحسابات اقليمية ودولية بعيدة كل البعد عن المعايير والاعتبارات الانسانية، الا ان بقاء النظام وعدم سقوطه من خلال انتفاضة شعبان، لم يكن انتهاء الانتفاضة فشلا لها، ولا كان افلات النظام من ملاقاة مصيره الاسود نجاحا له، والوقائع والاحداث اللاحقة اكدت ذلك.

اشترك في قناة وكالة انباء براثا على التلجرام
https://telegram.me/buratha
المقالات لا تعبر بالضرورة عن رأي الموقع
اضف تعليقك
الاسم والنص والتحقق من الروبوت ضروري
الاسعار الرسمية للعملات مقابل الدينار
دينار بحريني 0
يورو 0
الجنيه المصري 0
تومان ايراني 0
دينار اردني 0
دينار كويتي 0
ليرة لبنانية 0
ريال عماني 0
ريال قطري 0
ريال سعودي 0
ليرة سورية 0
دولار امريكي 0
ريال يمني 0
التعليقات
حيدر الاعرجي : دوله رئيس الوزراء المحترم معالي سيد وزير التعليم العالي المحترم يرجى التفضل بالموافقه على شمول الطلبه السادس ...
الموضوع :
مجلس الوزراء : موقع الكتروني لإستقبال الشكاوى وتقديم التعيينات
سهام جاسم حاتم : احسنتم..... الحسين بن علي بن أبي طالب عليهما السلام.جسد اعلى القيم الانسانية. لكل الطوائف ومختلف الاقوام سواء ...
الموضوع :
الحسين في قلب المسيح
Muna : بارك الله فيكم ...احسنتم النشر ...
الموضوع :
للامام علي (ع) اربع حروب في زمن خلافته
الحاج سلمان : هذه الفلتة الذي ذكرها الحاكم الثاني بعد ما قضى نبي الرحمة (ص) أعيدت لمصطفى إبن عبد اللطيف ...
الموضوع :
رسالة الى رئيس الوزراءالسابق ( الشعبوي) مصطفى الكاظمي
فاديه البعاج : اللهم صلي على محمد وال محمد يارب بحق موسى ابن جعفر ان تسهل لاولادي دراستهم ونجاح ابني ...
الموضوع :
صلاة الإمام موسى بن جعفر الكاظم (عليه السلام) لقضاء الحوائج
محمد الخالدي : الحمد لله على سلامة جميع الركاب وطاقم الطائرة من طيارين ومضيفين ، والشكر والتقدير الى الطواقم الجوية ...
الموضوع :
وزير النقل يثني على سرعة التعاطي مع الهبوط الاضطراري لطائرة قطرية في مطار البصرة
Maher : وياريت هذا الجسر يكون طريق الزوار ايضا بأيام المناسبات الدينية لان ديسدون شارع المشاتل من البداية للنهاية ...
الموضوع :
أمانة بغداد: إنشاء أكبر مجسر ببغداد في منطقة الأعظمية
ساهر اليمني : الَّذِينَ إِن مَّكَّنَّاهُمْ فِي الْأَرْضِ أَقَامُوا الصَّلَاةَ وَآتَوُا الزَّكَاةَ وَأَمَرُوا بِالْمَعْرُوفِ وَنَهَوْا عَنِ الْمُنكَرِ وَلِلَّهِ عَاقِبَةُ الْأُمُورِ ...
الموضوع :
السوداني : عاشوراء صارت جزءا من مفهومنا عن مواجهة الحق للباطل
هيثم العبادي : السلام عليكم احسنتم على هذه القصيدة هل تسمح بقرائتها ...
الموضوع :
قصيدة الغوث والامان = يا صاحب الزمان
فيسبوك