✍ : د. عطور الموسوي ||
ها هي السنتان الميلادية والهجرية تتوافقان بعد ثلاثين عاما من ذلك الحدث العراقي الأبي الكبير، إنه الانتفاضة الشعبية الشعبانية ..
في آذار عام 1991 وقد وضعت حرب الثلاثين دولة على العراق أوزارها وبغداد تغط في ظلام دامس، وقد علت سماءها سحب دخان غطت زرقة سمائها الجذّابة وجعلتها تمطر حبرا أسودا ربما هو مداد مثقفيها الذين أذهلتهم رعونة حاكم بلادهم المتفرعن والذي كمّم أفواههم وكسر أقلامهم، فتارة يحرق آبار النفط لتبقى النار مستعرة فوق مياه الخليج وتتعرض البيئة لتلوث لم يسبقه مثيل قتل جل الكائنات البحرية، وأخرى من مخلفات العتاد الكثير الذي أسقطته الطائرات طيلة أيام الحرب الشرسة وأحالت ليل بغداد الى نار متوقدة ولوثت البيئة بممرضات ظل العراقيون يدفعون ثمنها من صحتهم لعقود.
جثى اليأس على النفوس كابوسا لا خلاص منه في صباح يرتجى، والشمس تبكي عشرات الآلاف من الشباب الغض تنهش أجسادهم هوام الأرض وسباعها، والجيش العراقي المنهك من حرب الثمانية أعوام أصبح خبرا لكان .. لا شئ جميل في تلك الأيام، الا راحة بال من بيانات صدام الجوفاء : منتصرون !! وليخسأ الخاسئون .. يامحلى النصر بعون الله ..
لم يتأسف العراقيون على انقطاع الكهرباء الدائم ماداموا لن يشاهدوا تلك الإطلالة المملة ل( القائد الضرورة)، وما أكثر ما اختار لها من نماذج تثير الضحك والشفقة في آن واحد ..حقا أثبت أنه ممن جاعت بطونهم طويلا ثم شبعت فلم تتخلص من جوعها القديم .. يدعي أنه يتهجم على أمريكا وهو يرتدي زي الكابوي الأمريكي ويضع في فمه سيكارا، ويطلب جاها مفقودا وهو يظهر بزي شيوخ العشائر وغير ذلك من الأزياء، هو نوع من جنون العظمة قد أصيب به الطغاة على مر العصور .
نحن في بغداد سمعنا بالانتفاضة الشعبية الشعبانية ولم نشهدها وتابعنا في شغف كبير تباشيرها الأولى وأخبارها عبر راديو صغير يعمل على البطارية ندثره ببطانية كي تخفي ذبذبات التشويش التي ترافق الأخبار بالتحديد.. ونبضت قلوبنا فرحا مع دقات ساعة (بگ بن) فثمة أخبار تلي دقاتها تسعد قلوبنا المكلومة، وهمسنا بالصلاة على محمد وآل محمد بفرح غامر تدمع معه العيون، نعم همسنا فللحيطان آذان حينها، لكن بشرى اشتراك أربعة عشر محافظة وسيطرة المنتفضين عليها بالكامل بارقة أمل كبيرة بالخلاص من سلطة حكومة القرية الهمجية .
زاد منسوب الأمل وتباشرت الوجوه وهي تجد سبيلها للفرح على ضوء ( اللاله) المنبعث من زجاجتها الرديئة الصنع ودخانها المنبعث بلا كلل .
على الرغم من كل الصعوبات اليومية، لم نشعر بالضجر ونحن نعد الأيام عدا تنازليا منتظرين (الفرج)، تلك الكلمة التي رددها العراقيون منذ أن تسلم السلطة صدام حسين وحتى لحظة سقوط حكمه في الألفية الثالثة، وصرنا نخبز أقراص خبزنا برضا وطمأنينة على تلك المدفأة العتيقة التي عادت للعمل بعد أن هجرتها أغلب العوائل العراقية نوع (علاء الدين) وصارت ست البيت نطبخ عليها طعامنا وخبزنا ونستمد منها دفئنا وهي بديل سخاننا ..
نعم عدنا لعصور ما قبل التاريخ يوم نفد النفط الابيض، وتعطلت (ست البيت) عن العمل وأوقدنا حطبا نطبخ عليه قدرنا الصغير، وانسكب بعد طول انتظار وترقب، فلا دراية لي بمهارات الطبخ على الحطب !!.
https://telegram.me/buratha