حافظ آل بشارة ||
شهدت بغداد انطلاق ارتال مسلحة ، تلوح بالسلاح بحركة استعراضية تلفت نظر الشارع الى وجودها ، وبدا هذا الاستعراض مماثلا لما قامت به سرايا السلام قبل ايام ، مع اختلاف الاهداف ، ومع ان هذه الاستعراضات لم يرافقها اي اطلاق نار او اصطدام مع احد الا انها بدت وكأنها تشكل تحديا صارخا لسلطة الدولة والحكومة ، فوجود السلاح والمسلحين في الشارع امر مرفوض بكل المعايير ، الا ان التحليل الدقيق لظاهرة خروج المسلحين الى الشارع وهم حتما ليسوا عصابة اشرار ولا يريدون القتال بل هم يوجهون رسالة ، خاصة وان مصادرهم بررت هذا الاستعراض بأنه حركة عارضة جرت اثناء انتقال تلك القوات من موقع الى آخر ولا علاقة للحشد الشعبي بهذه المجموعة ، الطير يرقص مذبوحا من الألم ، الرسالة التي يحملها هذا الاستعراض المرفوض رسميا رسالة مقبولة سرا وهي موجهة الى مجلس النواب دون غيره ، فالاذرع الممدودة عموديا بعضلات سمراء مفتولة تلوح بالبنادق هي نفسها تلك الاذرع التي قاتلت الارهاب وافشلت اساطير داعش ومن يقف وراءها ، وهي السواعد التي يرقد نصف اصحابها الآن تحت التراب شهداء ، هم رفعوا بنادقهم ليقولوا لمجلس النواب ان رفع سعر صرف الدولار قد ادخل فقراء البلد الى نفق مظلم من العوز والمعاناة والقلق ، وان كل المبررات التي تقدمها الحكومة وخبراؤها لا قيمة لها امام ارتفاع الاسعار الذي تسبب به هذا الاجراء غير المدروس ، خاصة وان شهر رمضان على الابواب ، والبطاقة التموينية مازالت غائبة ، وكورونا تحصد الالاف كل يوم ، والحظر الصحي اغلق ابواب رزق نصف العراقيين فلم يعد الكسبة واصحاب المهن الهامشية واصحاب العمل اليومي قادرين على توفير لقمة العيش ، ومقابل نظريات خبراء الحكومة المصفقين لسحق الدينار ، هناك الاف الخبراء المنحازين للشعب والمحتجين على هذا السلوك الاقتصادي الخاطئ .
بنادق الرتل الممنوع العابر في شوارع بغداد تقول للنواب اين انتم ؟ الستم ممثلي هذا الشعب؟ الستم رقباء على اعمال الحكومة وقراراتها واجراءاتها ؟ اذا لم تتصرفوا سوف نتصرف ! اذا لم تدافعوا عن حقوق الشعب ولقمة عيشه باستخدام الدستور والقانون وصلاحيات البرلمان فهذا يعني ان وجودكم غير ضروري ؟ لماذا يتحول النواب المخلصون المدافعون عن مصالح الشعب الى اقلية يستجدون التواقيع ويشحذون المواقف ولا يقف معهم الا القليل ؟ التظاهرة المسلحة الممنوعة قامت بعملية ملء فراغ لمن تركوا مواقعهم في جمهورية الفراغ الدائم ، فراغ يجب ان تملأه القوى السياسية والكتل النيابية ، اذا كان رفع قيمة صرف الدولار شأنا مصرفيا حكوميا لا يؤثر فيه رأي البرلمان ، واذا كان رأي البرلمان بهذا الشأن غير ملزم للحكومة فهناك طريق آخر لتصحيح الكارثة ، انه طريق استجواب الحكومة واقالتها ، فقد كثرت المبررات التي تستدعي الاستجواب والاقالة ، انه اجراء دستوري لاغبار عليه وليس كارثة بل هو امر متبع في كل الانظمة النيابية ، التظاهرة المسلحة الممنوعة قالت اشياء اخرى ، قالت ان الموازنة يجب ان تحسم بعدالة ، وان تحل مشكلة الاقليم بالخضوع الى الاتفاقات النفطية السابقة ، يحترمون تعهداتهم ليحترم المركز تعهداته، اما سياسة لي الاذرع فهي تحديث لابتزاز قديم مستمر لا مبرر له ، لغة البنادق الممنوعة في الشارع قالت ايضا ان اشاعة الفوضى في الوسط والجنوب بادوات اجنبية امر مرفوض وما لم تصلحه المفاوضات تصلحه البنادق ، طحنون اصبح اكثر شهرة من كلكامش ، اتسعت الفوضى لتشمل الناصرية والعمارة والديوانية والنجف ، هائجون في زقاق وحقائب الدولارات توزع علنا ، وكل شيء قابل للبيع ، مرجعيات مزيفة ، ورؤساء عشائر مختلقون وافواج من اشباح الملتوف يحرقون كل شيء ، في المحافظات الشيعية غاب الاحترام لا احترام لمحافظ ولا احترام لموظف ولا احترام لضابط كلهم اهداف للملتوف ، لا احترام لمرجعية ولا دين ، سلطة الدولة التي يجب ان تكون فوق كل شيء سلمت زمامها الى الملتوف بخنوع ، لماذا لأنها زمرة فاسدين بيتهم من زجاج لم يخافوا الله فاخافهم الله من كل شيء .
بعد كل هذه الصور من الانهيار والذل يلومون من يخرج الى الشارع ملوحا ببندقيته ، يعدونه عملا ممنوعا وجريمة لا تغتفر ولكن تدمير قيمة الدينار وتجويع الكسبة ، والسكوت على تغلغل المخابرات الاجنبية الصامت في محافظات الشيعة ، والفساد المنتشر في كل مكان ، هذه كلها ليست جرائم ، الرسالة تقول اذا استمر صمت الساسة عندها ستتكلم البنادق لانها الخيار الاخير ، الخيار الممنوع والخطير .
https://telegram.me/buratha