ضحى الخالدي ||
يشكل سكان الدول العربية حوالى ١٠٪ من سكان العالم، وتتوفر في أراضيهم ما نسبته ٦٪ من مصادر المياه العذبة في العالم.
تعتمد غالبية الدول العربية على المياه الجوفية، وتقنيات تكرير مياه الصرف، وتحلية مياه البحر، وهي تقنيات مكلفة مادياً، ولم تتوطن تقنيتها المتطورة، بمعنى أنها ظلت معتمدة على الخبرات والتكنلوجيا الأجنبية طيلة العقود الماضية.
فيما يتمتع العراق وسوريا ومصر والسودان بوجود أنهار عظيمة هي دجلة والفرات والنيل وروافدهم، وتتواجد أنهار صغيرةً في لبنان وشمال إفريقيا، إلا أنها لا تغني عن استخدام المياه الجوفية.
يعاني العالم من شحة في المياه بسبب التغيرات المناخية ومن أهم مظاهرها قلة، أو انعدام سقوط الأمطار، وهو مقبل خلال السنوات العشرة المقبلة على شحة أشد.
يمثل الاستخدام المنزلي للمياه ومياه الشرب، نسبة قليلة الى نسبة الاستخدام في النشاط الزراعي، ومن ثم النشاط الصناعي والتجاري، ويؤدي سوء استغلال الثروة المائية الى انكماش في الأمن المائي قد يضع بعض الدول على المحك، لهذا عمدت الدول منذ قديم الأزل الى بناء السدود، وحديثاً الى استخدام تقنية الري بالتنقيط وهي ابتكار ظهر في الكيان الصهيوني أساساً نتيجة شحة المياه في الأراضي المحتلة.
تعتبر البلدان التي تقل فيها حصة الفرد من المياه عن ٨٠٠ متر مكعب سنوياً بلداناً فقيرة، أو شحيحة مائياً، فيما توصف البلدان التي يتمتع الفرد فيها بنسبة ٨٠٠-١٠٠٠ متر مكعب بأنها مجهدة مائياً كما هو حال العراق الآن، وإذا وصلت حصة الفرد الى ١٠٠٠ متر مكعب فما فوق، فإن البلدان المعنية تعتبر غنية مائياً، وهو ما يتوقع للعراق أن يكونه في الأعوام العشرة المقبلة، وكذلك السودان.
وبسبب سد النهضة العملاق في أثيوبيا ستعاني مصر من شحة المياه بحسب تقارير الأمم المتحدة؛ وكذلك سوريا لأنها تعتمد على المياه الجوفية أكثر من الفرات لا سيما أن شمال وشمال شرق سوريا واقع تحت سيطرة ثلاث قوى رئيسية معادية للدولة السورية هي الولايات المتحدة وتركيا وقوات سوريا الديموقراطية (قسد).
فيما ستتمتع السودان بوفرة مائية وهي الدولة التي يلتقي النيل الأزرق بالنيل الأبيض في عاصمتها الخرطوم ليكوّنا نهر النيل العظيم.
يبدو أن شتاءات مطيرة مقبلة على العراق لن تجعله تحت رحمة سد أليسو التركي، لكنها تعجل من الزحف الصهيوني نحو حوض الفرات في الهضبة الغربية، وحوض دجلة وروافده في نينوى حيث توطين العديد من العوائل الإسرائيلية الجاري على قدم وساق منذ أعوام، بحجة البحث عن قبر ناحوم، وشراء الأراضي الزراعية بحجة إقامة المراكز الصناعية التي لم ترَ النور حتى الآن، ولن تراه.
لكن ما قد يرى النور هو خط أنابيب ضخ المياه الذي سيسير بالتوازي مع خط أنابيب كركوك- حيفا، الأمر الذي جعل الولايات المتحدة تقوم بالقصف المتكرر لقوات الحشد الشعبي على الحدود مع سوريا، وتقوم في الأعوام ٢٠٠٥-٢٠٠٦ بالقصف المتكرر على الخط الجغرافي الممتد من جنوب ربيعة وحتى الرطبة بحجة ملاحقة أبي مصعب الزرقاوي وأتباعه، إلا أن الهدف الرئيسي هو تأمين هذه المنطقة، والمنطقة المحيطة بمحطات الضخ القديمة لخط كركوك- حيفا H1,H2,H3.
تسارع السعودية أيضاً، ومنذ أشهر لإحياء مشروع استثمار البادية الغربية العراق، وبعيداً عن كل الاعتراضات السياسية،والمخاطر الأمنية المتنوعة التي أشرت لها في مقال سابق، ومن خلال اللقاءات عبر الفضائيات، فإن الأمن المائي للعراق يتصدر قائمة المخاوف، سواءً من ناحية استنفاد المياه الجوفية، أو السيطرة على شواطئ الفرات، بحجة الاستثمار الزراعي، لا سيما في ظل انعدام الحَوْكَمة الرشيدة في العراق، وسوء أداء الطبقة السياسية الحاكمة والمتنفذة على اختلاف طوائفها وقومياتها.
تدخل الأردن أيضاً على قائمة البلدان شحيحة المياه لا سيما في السنوات المقبلة، وتلقي شحة المياه بظلالها على اليمن في محنته أيضاً، ناهيك عن دول الخليج.
تلعب السياسات الإسرائيلية والأميركية دوراً كبيراً في تأجيج الخلافات بين أثيوبيا وأريتريا حول إقليم تيغراي، وبين السودان وجنوبه، وبين إثيوبيا ومصر، وستعاني الأخيرة بسبب شحة الأمطار وملء خزان سد النهضة الإثيوبي، وتتواجد عناصر الموساد في جزيرة سقطرى اليمنية، وعناصر الCIA في الصومال، قريباً من منابع النيل وحوضه الغني، وتتواجد القوات الأميركية شمال وغرب العراق حيث عنق دجلة وروافده، وعنق الفرات، وفي شمال شرق سوريا أيضاً حيث سلة خبز البلاد ومزارع القمح الذي كانت تصدره سورياً يوماً ما، والآن يقف المواطنون السوريون أمام طوابير أفران الخبر بانتظار الرغيف المُرّ.
في السنوات العشرة المقبلة لن يُجهد العراق مائياً، لكنه سيجهد إستراتيجياً؛ بمعنى هل سيتمتع المواطن العراقي بحصته الكافية من المياه؟ أم ستكون من حصة الحضن الدافئ، وأولاد العم غير الشرعيين؟
علماً أن مصدر ٧١٪ من مياه نهري دجلة والفرات هي الأراضي التركية
https://telegram.me/buratha