المقالات

وللشهادة استذكار في عيد الأم..!

1488 2021-03-21

 

د. عطور الموسوي ||

 

·        نصرة عبد كه شريف .. أم شهيدة من مدينة الخالص الخضراء

 

في ربوع قرية الحويش إحدى قرى مدينة الخالص الخضراء ولدت شهيدتنا السعيدة نصرة وذلك في عام 1962 وهي الأبنة الثانية لعائلة الحاج عبد كه المكونة من والدين وثمانية أبناء وبذلك حظيت شهيدتنا برعاية وحنان أبويها وعائلتها.

فنشأت وترعرعت في تلك الطبيعة الجميلة وفي ظل العائلة المحافظة لتصبح شابة في مقتبل عمرها ويتقدم لخطبتها الشاب المؤمن حبيب صالح مهدي بن خالتها الذي كان يعمل في محل تركيب زجاج المنازل، وسكنا في نفس قرية  المجاهدين والمعارضين للبعث وحكمه الجائر.

كان زوجها مع العديد من الشباب المؤمن يواظبون على الحضور في جامع الحويش يقيمون الصلاة ويجتمعون للتداول في شؤون بلدهم الجريح الذي تسلطت عليه عصابة البعث وخاصة بعد عام 1979، حيث جثا الطاغية صدام على صدور العراقيين يوم أصبح رئيساً للجمهورية وبدأت الاعتقالات تتزايد بعد اصدار قرار اعدام الدعاة عام 1980 فطالت الاعتقالات جميع الشباب تباعاً وتم اعتقال عوائل بأكملها فهم يخشون أبطال مدينة الخالص الشجعان الذين تمسكوا بدينهم ورفضوا المهادنة لحكومة البعث .

وفي عام 1981 في أيلول تم اعتقال زوجها ولم يمض عام واحد على زواجها وكانت نصرة حاملًا في شهرها الرابع .

رأتهم بعينيها كيف يهجمون على دارهما المتواضعة ليقتادوا شريك عمرها الشاب اليافع وسط وابل من الضرب والسباب البذيء مما نضحت به أفواههم الأثيمة، ورأت دماءه تصبغ وجهه وثيابه الممزقة من همجيتهم.. لتجد نفسها وحيدة في هذه الحياة ،أيقنت نصرة من تلك اللحظة  أنها قد أصبحت أرملة فلم يخرج أي معتقل من دوائر الأمن البغيضة فالذي يأخذوه لا يعود مطلقاً.

وبعد يومين وفي غمرة أحزانها على فقدان زوجها جاء أزلام الأمن ليطوقوا دارها وهم مدججون بالسلاح ويهجموا على الدار دون أدنى حياء طالبين منها أن تدلهم على مكان بندقية زوجها فبعد اعتقاله قامت شهيدتنا بإخفائها  تحت كوم من الحطب في بستان جدها لأمها الحاج (حمودي الداود)، وعندما وجدوها تحت كوم الحطب أعتقلوها ناعتين إياها بالمجرمة والعميلة، ولم تجد توسلات ذويها ولم يرحموا حالها واقتادوها إلى دائرة أمن الثورة السيئة الصيت حيث التعذيب على أشده.. نصرة تلك الشابة الوديعة التي لم تغادر قرية (الحويش) طيلة عمرها إلا لبعض الزيارات الجماعية للمراقد الشريفة، وجدت نفسها اليوم محاطة بجلاوزة النظام وتسرع بها السيارة (اللاند كروز) من قريتها إلى أمن الثورة .. لكنها سلمت أمرها إلى الله سبحانه ورفعت يديها له متضرعة أن ينجيها منهم ومن مكائدهم وهي تحمل جنيناً وحيداً لهذا الزواج الذي أبى البعث ألا أن يقضي عليه وهو بعد في شهوره الأولى.

وللطف الله وعنايته بها فقد اعتقلوها ووضعوها مع سيدة شابة وصغارها وبذلك واست بعضهما بعضاً وتحملت محنة الوجود في هذه الدائرة المشؤومة.

تم تثبيت تهمة حيازة السلاح والتستر على حزب الدعوة الإسلامية في إفادة هذه الشهيدة لأدانتها بهذه التهم.

ولم يكتف المجرمون بهدم كيان هذا العائلة الصغيرة فحسب، وانما أحرقوا البستان وأحالوه إلى رماد بعد ان كان يانعاً بالنخيل وأشجار الحمضيات الوارفة..حتى الحرث لم يسلم من إجرامهم فقد كانوا يخشون نخيل وأشجار الحويش ويجدونها شخوصاً معارضة لهم.

وبعد بضعة أشهر ولدت أبنتها التي أسمتها (خالدة) لقبتها بمظلومة ،هذه الطفلة التي فتحت عينيها على ظلام السجن دون أن تحظى بأي رعاية للطفولة من مسكن أو ملبس، لكن الله قد كفل رزقها بحليب والدتها الرؤوم وغذّاها طيلة الأشهر الأربع التي بقيت بها في حضنها، انشغلت شهيدتنا بطفلتها ووجدت بها عوضاً عن الألم الذي تعيشه في هذه الدائرة وكانت تقبلها بحنان وشغف كبيرين، نعم  شعرت أنها كل ما تبقى لها في هذه الدنيا.

وفي حزيران عام 1982 فتحت باب المعتقل ليطل منها جلاد هذه الدائرة المجرم علي الخيكاني (ابو جواد) ومعه حارسان وبيده قائمة يذيع فيها أسماء عدد من المعتقلات تباعاً ليتم وثاق يدا كل منهن إلى ظهرها وتعصب عيناها وتساق إلى عربة الموت التي تنتظرهن في كراج هذه الدائرة .

وعندما نادى بإسم شهيدتنا ذهلت وتمسكت بطفلتها الصغيرة وهي حيرى أين تتركها بل كيف تحملها وهم يقيدون يديها إلى ظهرها، غير أن الجلاد قطع حيرتها تلك وانتزع طفلتها منها انتزاعاً ليسلمها الى إحدى المعتقلات، وكاد أن يغمى على نصرة من هذا الموقف الرهيب فكأنه انتزع قلبها من بين جنبيها وراحت عيناها تصب الدموع وهي ترى صغيرتها التي ضج المكان بصراخها، وأمر ابو جواد  الحراس بسرعة بأقتيادها  الى تلك السيارة مع عدد من المعتقلات وأسرعت السيارة بهن إلى الموت الذي كان ينتظرهن في إحدى المقابر الجماعية التي ملأت أرضنا الطيبة لا لجرم أو ذنب سوى إنهن قلن لا للبعث الجائر.

أما صغيرتها فبقيت بعدها تصرخ وتبكي من الجوع والعطش ، فهي لم ترضع سوى من ثدي أمها ولم تأنس الا بحضنها ولم تأمن الا بطيبها، انتزعوها منها دون أن يهتز أدنى شعور لهؤلاء الجلادين، كانت المعتقلات يطلبن لها حليباً وقنينة رضاعة، لكنهم كانوا يرفضون قائلين اسقوها الماء فهو كاف لها !!.

ومن الصباح حتى المساء ظلت الطفلة تصرخ وقد بحّ صوتها من كثرة بكائها، كانت تغفو للحظات من التعب لتعود ثانية إلى البكاء إلى أن فتح الجلادون الباب وأخذوها مع ملابسها البسيطة التي هي عبارة عن ثياب لمعتقلين تم تحويرها وخياطتها لطفلة عراقية جرمها الوحيد أنها من أبوين معارضين .

أخذوا هذه الطفلة وظنّت المعتقلات أنها ستسلم إلى أهل الشهيدة أو إلى أهل أبيها .لكن هذا الظن كان خائبا، فقد وجدوا ملابسها قد رميت على شباك المخزن في هذا المعتقل الرهيب، ولم يعرف مصيرها أين هي ؟؟هل أزهقت روحها ؟هل ألحقوها بأمها في تلك المقبرة الجماعية؟ أم قتلوها ورموها في نهر دجلة لتكون طعاماً للأسماك !؟ أم ؟ أم ؟ تسأولات ظللتها الحيرة في رؤوس المعتقلات والجمها الخوف  فالموت له وجوه شتى عند البعث لمن يعارضهم حتى ولو بأضعف الايمان، استشهدت نصرة وهي لم تكمل العشرين عاماً وربما بقيت عيناها شاخصتان الى معتقل أمن الثورة حيث فلذة كبدها وصغيرتها التي انتزعوها من أحضانها قسراً وبقى حليبها يدرّ ليروي الأرض التي ضمتها، وقديماً قالوا: أذا جاع الرضيع درّ حليب أمه وأن كانت بعيدة عنه ..

لم يتم تسليم جثمانها الطاهر وظل أمرها مخفيا حتى سقوط الطاغية عندما عثر أهلها على اسمها في قوائم الشهداء ، فالسلام على شهيدتنا المظلومة أم مظلومة نصرة عبد كه يوم ولدت ويوم أستشهدت ويوم تبعث حية .

اشترك في قناة وكالة انباء براثا على التلجرام
https://telegram.me/buratha
المقالات لا تعبر بالضرورة عن رأي الموقع
اضف تعليقك
الاسم والنص والتحقق من الروبوت ضروري
الاسعار الرسمية للعملات مقابل الدينار
دينار بحريني 0
يورو 0
الجنيه المصري 0
تومان ايراني 0
دينار اردني 0
دينار كويتي 0
ليرة لبنانية 0
ريال عماني 0
ريال قطري 0
ريال سعودي 0
ليرة سورية 0
دولار امريكي 0
ريال يمني 0
التعليقات
حيدر الاعرجي : دوله رئيس الوزراء المحترم معالي سيد وزير التعليم العالي المحترم يرجى التفضل بالموافقه على شمول الطلبه السادس ...
الموضوع :
مجلس الوزراء : موقع الكتروني لإستقبال الشكاوى وتقديم التعيينات
سهام جاسم حاتم : احسنتم..... الحسين بن علي بن أبي طالب عليهما السلام.جسد اعلى القيم الانسانية. لكل الطوائف ومختلف الاقوام سواء ...
الموضوع :
الحسين في قلب المسيح
Muna : بارك الله فيكم ...احسنتم النشر ...
الموضوع :
للامام علي (ع) اربع حروب في زمن خلافته
الحاج سلمان : هذه الفلتة الذي ذكرها الحاكم الثاني بعد ما قضى نبي الرحمة (ص) أعيدت لمصطفى إبن عبد اللطيف ...
الموضوع :
رسالة الى رئيس الوزراءالسابق ( الشعبوي) مصطفى الكاظمي
فاديه البعاج : اللهم صلي على محمد وال محمد يارب بحق موسى ابن جعفر ان تسهل لاولادي دراستهم ونجاح ابني ...
الموضوع :
صلاة الإمام موسى بن جعفر الكاظم (عليه السلام) لقضاء الحوائج
محمد الخالدي : الحمد لله على سلامة جميع الركاب وطاقم الطائرة من طيارين ومضيفين ، والشكر والتقدير الى الطواقم الجوية ...
الموضوع :
وزير النقل يثني على سرعة التعاطي مع الهبوط الاضطراري لطائرة قطرية في مطار البصرة
Maher : وياريت هذا الجسر يكون طريق الزوار ايضا بأيام المناسبات الدينية لان ديسدون شارع المشاتل من البداية للنهاية ...
الموضوع :
أمانة بغداد: إنشاء أكبر مجسر ببغداد في منطقة الأعظمية
ساهر اليمني : الَّذِينَ إِن مَّكَّنَّاهُمْ فِي الْأَرْضِ أَقَامُوا الصَّلَاةَ وَآتَوُا الزَّكَاةَ وَأَمَرُوا بِالْمَعْرُوفِ وَنَهَوْا عَنِ الْمُنكَرِ وَلِلَّهِ عَاقِبَةُ الْأُمُورِ ...
الموضوع :
السوداني : عاشوراء صارت جزءا من مفهومنا عن مواجهة الحق للباطل
هيثم العبادي : السلام عليكم احسنتم على هذه القصيدة هل تسمح بقرائتها ...
الموضوع :
قصيدة الغوث والامان = يا صاحب الزمان
فيسبوك