قاسم العجرش qasim_200@yahoo.com ||
أقرا هنا وهناك دعوات لما يسمى بالحوار الوطني، وهي دعوات يجب ان يقبلها كل عاقل شريف إبتداءًا، لكن ثمة تساؤلات يتعين مقاربتها بمسؤولية وموضوعية، قبل أن يستمر الحديث عن هذه الموضوع ويأخذنا الى مدارج لا تفضي الى نتائج قابلة للتنفيذ..
أول هذه التساؤلات هو أنه يتعين النظر بخلفيات دعاة الحوار، والجهات المنتمين اليها او المرتبطين بها أو تلك التي يقودونها، كما يفترض النبش في عقائدهم ومتنياتهم الفكرية، وتاريخهم السياسي وسيرتهم العملية، فهذا منهج مهم وسليم للمضي بأي موضوع، ولإتخاذ القرار المناسب بشأنه.
أن مسيرة الآلام والآثام التي مر بها شعبنا؛ طيلة قرن من ما يسمى بالحكم الوطني، منها اربعة عقود من حكم القهر والإذلال البعثي، وقبلها أربعة عشر قرنا من حكم الدول؛ التي كان عنوانها إسلامي سني (الأموية ـ العباسية ـ العثمانية)، أفضت عند محطتها العراقية، الى أن تكون مهمة يناء عراق جديد أمر صعب جدا، يجعلنا ونحن أبناء الحاضر المثقل بالماضي، إزاء مسؤولية كبرى في بناء أسس جديدة لعراق الغد، تقوم إبتداءا على التخلص من تبعات الماضي، وذلك بأن لا نتركه هكذا بلا وداع، بل يتعين إدانته وإدانة من تسبب بكل آثامه بشجاعة ومسؤولية.
في محطة الماضي القريب لما قبل 2003، فإن لدينا ثابت لا يمكن التزعزع عنه، وهو أنه لا مكان للبعث في أي حوار مفترض، وفد حسمنا ذلك بشكل بات، عندما جرم الدستور البعث والبعثيين، ومن يروج اليوم للبعث تحت أي ذريعة ووليجة، فإنما يشهر سيف العداء لشعبنا مجددا.
خلاصة هذا المقطع تقودنا الى نتيجة حاسمة، وهي أن البعث ومن يعتنقه، لم يعودوا جزءا من منظومتنا الوطنية، وأن على الدولة والمجتمع إعادة تأهيلهم، وأن عليهم أن يقبلوا بذلك طائعين ليكونوا مواطنين صالحين، فالبعث شر مطلق، وينبغي التخلص منه بشكل مطلق..واذا لم يحصل ذلك، فليبشر شعبنا بمسيرة جديدة من الدماء والآلام، وكم هائل من المشكلات أكثر من تلك التي مر بها.
في مقطع ما بعد 2003 من التاريخ، وعلى الرغم من زوال أعتى نظام ديكتاتوري عرفه التاريخ الحديث، وربما التاريخ برمته، إلا أن عوامل كثيرة لعبت لعبتها، على أن تكون الحصيلة أقل من طموحات شعبنا بكثير، لكن البعث بكل قيحه ومعه الإرهاب، نتاجه الموبوء بالكراهية والحقد والضغينة؛ ومعهم التحالف الوهابي الصهيوني الأمريكي، كان أهم عوامل عملية عرقلة بناء عراق المواطنة ودولة المؤسسات..
هكذا فإن الحقيقة التي لا يمكن القفز عليها أوإنكار حصولها، هو أننا وطوال الثمانية عشر عاما المنصرمة، كنا نخوض غمار حرب شرسة لكي نبقى لا لكي نبني، وهذا بالضبط ما يعمل دعاة "الحوار الوطني"، على أن نتناساه دون أن ينال المجرمين العقاب المستحق..
إن دعوة الحوار الوطني بظروفها الراهنة، وبأطروحتها الفضفاضة الخالية من أي تنظير عقلائي، تعني تطبيق سياسة الإفلات من العقاب، وتعني قبول الضحايا بأن يعود جلاديهم بسياطهم كي يلهبوا ظهورهم، وهذه المرة ظهورهم وظهور ابنائهم!
الشعب العراقي وقواه الوطنية متصالح مع نفسه، وليس لديه مشكلات تستدعي سفسطة "الحوار الوطني"، الخالية من معنى وسبب، ومن المؤكد أن هدف أصحاب هذه الأطروحة لا ينطلقون من مصلحة العراقيين، بل أن في جعبتهم تمرير مخططات خطيرة، لكنها مكشوفة حتى لـ"حميدة أم اللبن"!
بين ثنايا دعوة الحوار الوطني تهديد مكشوف للعراقيين، بأنهم إذا لم يقبلوا بمعادلة سلطة جديدة، يكونون فيها خولًا لمن يرغب بهم الأمريكي، فإن أمامهم أياما وسنين عجاف..قبل 2003 لم نكن نمتلك إلا يضع بنادق صدئة، قاومنا بها الطغيان الصدامي بضراوة، واليوم نحن اقوى مما يتصورون بكثير..كثير جدا..!
كلام قبل السلام: هي دعوة صادقة لأصحاب النوايا السيئة، مؤداها أنهم إذا أرادوا أن يعبدوا الطريق أمام التطبيع مع الصهاينة، فعليهم قبل ذلك أن يبلطوا البحر..!
https://telegram.me/buratha