المقالات

من اين جاء السيستاني بافكاره "الانسانية"؟!


 

محمد عبد الجبار الشبوط ||

 

قد يتفاجأ البعض ممن اطلع على حديث الامام السيستاني مع البابا فرنسيس بالافكار المبهرة التي طرحها وهو يتحدث  عما يعانيه الكثيرون في مختلف البلدان من الظلم والقهر والفقر والاضطهاد الديني والفكري وكبت الحريات الاساسية وغياب العدالة الاجتماعية، ودعوته الى تغليب جانب العقل والحكمة ونبذ لغة الحرب، و تأكيده  على أهمية تضافر الجهود لتثبيت قيم التآلف والتعايش السلمي والتضامن الانساني في كل المجتمعات، و رعاية الحقوق والاحترام المتبادل بين أتباع مختلف الاديان والاتجاهات الفكرية.

وقد يتساءل البعض من اين اتى السيستاني، وهو رجل الدين القابع في النجف منذ عقود من السنين؟

الجواب الجاهز، كما عبر عنه احد المشايخ،  هو:"من الإسلام و روايات أهل البيت".

ولكن كيف؟

فالسيستاني ليس مفكرا وضعيا مثل جان جاك روسو او ادم سميث او كارل ماركس او جون راولز بحيث يستطيع اطلاق العنان لعقله ليتجول في عالم الافكار، بل هو فقيه محكوم بالنصوص الشرعية الواردة في الكتاب والسنة، واصول الفقه، والقواعد الفقهية، وغير ذلك من الادوات الفكرية التي يستخدمها الفقيه في الوصول الى احكام الشريعة الاسلامية.

الجواب على سؤال "ال كيف" يقتضي ان نفهم بصورة اولية بعض جواب عمل الفقيه. وسوف اذكر امرين بقدر تعلق الامر بهذا المقال.

فماهو عمل الفقيه؟

اما ان يكتشف الفقيه "النظرية التحتية" وراء الاحكام الشرعية المعروفة على اعتبار ان "الاحكام" هي البناء العلوي للشريعة، ويتعين على الفقيه اكتشاف النظرية التي تستند اليها الاحكام، كما فعل الصدر في عملية اكتشاف النظرية الاقتصادية او المذهب الاقتصادي الاسلامي ودونها في كتابه الشهير "اقتصادنا". ويكمن السبب في ضرورة عملية اكتشاف النظرية  في انها "ليس من الميسور الحصول عليها مباشرة من النصوص"، كما قال السيد الصدر.

هذه حالة، والحالة الثانية ان يرصد الفقيه "القضايا المستحدثة" ويبحث عن موقف الشريعة منها من اجل الوصول الى مسوغاتها الشرعية ان وجدت، كما فعل الشيخ محمد حسين النائيني (١٨٥٦-١٩٣٦)  في كتابه المعروف "تنبيه الامة وتنزيه الملة" في عام ١٩٠٩ على بعض الاقوال، حيث واجه العقل الفقهي الاسلامي قضايا الدولة الحديثة والدستور والمجالس البرلمانية والانتخابات وغير ذلك.

 او كما فعل الفقيه اية الله العظمى الشيخ مرتضى الحائري اليزدي (١٣٣٤-١٤٠٦ هجري) في كتابه "ابتغاء الفضيلة في شرح الوسيلة" وهو يتحدث عن التكييف الفقهي للحكومات القائمة في "عصرنا الراهن"، حيث قال:

"فاما الحكومة المعمولة في عصرنا الراهن: فإنْ حصلت بتوكيل جميع ذوي الحقوق حتى الصغار والمجانين باذن وليهم فداخلة في باب الوكالة والظاهر حينئذ عدم الإشكال في تصرفات المتصدين واعانتها. لكن يجب ان يكون التوكيل في ضمن عقد لازم ..." ( ج ١، ص ٢٨٠)

ومن المحتمل ان السيستاني قام بالامرين معا، ذلك لان امتلك ناصية الامرين، اعني الاجتهاد الفقهي في الشريعة والمواكبة الواعية لتطورات وتحولات عصره.

في كتاب "الاجتهاد والتقليد والاحتياط" وهو تقريرات السيد السيستاني بقلم السيد محمد علي الرباني المطبوع بنسخته الاولى في علام ١٤٣٥، مع ان السيستاني يقول "بثبوت ولاية الفقيه في الامور الحسبية وهي كثيرة"، الا انه ادخل مفهوم "الانتخاب" في المسألة، فاضاف: " وليست الولاية ثابتة لكل فقيه بل للفقيه المنتخب من قبل الناس". وفي التفصيل قال:"فلا بد وان يكون المتصدي لهذه الامور ممثلا للمسلمين"، "وحيث ان القسط والعدل العام مما لا يمكن تحقيقه بمباشرة عموم المسلمين فلابد وان يكون ذلك بالتسبيب من المسلمين بانتخابهم شخصا او اشخاصا للتصدي لهذه الامور". (ص ١٢٨-١٢٩).

او كما فعل وهو يبحث في احد الاحكام الشرعية على اساس قاعدة الالزام (سنة ١٤٠٩ هجرية)، حيث طرح فكرة قانون الاحترام المتبادل ومفادها انه "اذا كان بناء المجتمع المتشكّل من الاديان والمذاهب المختلفة على التعايش السلمي فان ذلك يستدعي احترام كل من الاطراف قانون الطرف الاخر". ( كتاب "قاعدة الالزام"، تقرير السيد محمد علي الرباني، المطبوع سنة ١٤٣٦).

وهذا دليل على اهمية الاجتهاد كالية تواكب الشريعة من خلالها متغيرات الزمان والمكان:

"وَمَا كَانَ الْمُؤْمِنُونَ لِيَنفِرُوا كَافَّةً ۚ فَلَوْلَا نَفَرَ مِن كُلِّ فِرْقَةٍ مِّنْهُمْ طَائِفَةٌ لِّيَتَفَقَّهُوا فِي الدِّينِ وَلِيُنذِرُوا قَوْمَهُمْ إِذَا رَجَعُوا إِلَيْهِمْ لَعَلَّهُمْ يَحْذَرُونَ" (التوبة 122)

اشترك في قناة وكالة انباء براثا على التلجرام
https://telegram.me/buratha
المقالات لا تعبر بالضرورة عن رأي الموقع
اضف تعليقك
الاسم والنص والتحقق من الروبوت ضروري
الاسعار الرسمية للعملات مقابل الدينار
دينار بحريني 0
يورو 0
الجنيه المصري 0
تومان ايراني 0
دينار اردني 0
دينار كويتي 0
ليرة لبنانية 0
ريال عماني 0
ريال قطري 0
ريال سعودي 0
ليرة سورية 0
دولار امريكي 0
ريال يمني 0
التعليقات
ابراهيم الجليحاوي : لعن الله ارهابي داعش وكل من ساندهم ووقف معهم رحم الله شهدائنا الابرار ...
الموضوع :
مشعان الجبوري يكشف عن اسماء مرتكبي مجزرة قاعدة سبايكر بينهم ابن سبعاوي
مصطفى الهادي : كان يا ماكان في قديم العصر والزمان ، وسالف الدهر والأوان، عندما نخرج لزيارة الإمام الحسين عليه ...
الموضوع :
النائب مصطفى سند يكشف عن التعاقد مع شركة امريكية ادعت انها تعمل في مجال النفط والغاز واتضح تعمل في مجال التسليح ولها تعاون مع اسرائيل
ابو صادق : واخیرا طلع راس الجامعه العربيه امبارك للجميع اذا بقت على الجامعه العربيه هواى راح تتحرر غلسطين ...
الموضوع :
أول تعليق للجامعة العربية على قرار وقف إطلاق النار في غزة
ابو صادق : سلام عليكم بلله عليكم خبروني عن منظمة الجامعه العربيه أهي غافله ام نائمه ام ميته لم نكن ...
الموضوع :
استشهاد 3 صحفيين بقصف إسرائيلى على غزة ليرتفع العدد الى 136 صحفيا منذ بدء الحرب
ابو حسنين : في الدول المتقدمه الغربيه الاباحيه والحريه الجنسيه معروفه للجميع لاكن هنالك قانون شديد بحق المتحرش والمعتدي الجنسي ...
الموضوع :
وزير التعليم يعزل عميد كلية الحاسوب جامعة البصرة من الوظيفة
حسن الخفاجي : الحفيد يقول للجد سر على درب الحسين عليه السلام ممهداً للظهور الشريف وانا سأكمل المسير على نفس ...
الموضوع :
صورة لاسد المقاومة الاسلامية سماحة السيد حسن نصر الله مع حفيده الرضيع تثير مواقع التواصل
عادل العنبكي : رضوان الله تعالى على روح عزيز العراق سماحة حجة الإسلام والمسلمين العلامة المجاهد عبد العزيز الحكيم قدس ...
الموضوع :
بالصور ... احياء الذكرى الخامسة عشرة لرحيل عزيز العراق
يوسف عبدالله : احسنتم وبارك الله فيكم. السلام عليك يا موسى الكاظم ...
الموضوع :
صلاة الإمام موسى بن جعفر الكاظم (عليه السلام) لقضاء الحوائج
زينب حميد : اللهم صل على محمد وآل محمد وبحق محمد وآل محمد وبحق باب الحوائج موسى بن جعفر وبحق ...
الموضوع :
صلاة الإمام موسى بن جعفر الكاظم (عليه السلام) لقضاء الحوائج
دلير محمد فتاح/ميرزا : التجات الى ايران بداية عام ۱۹۸۲ وتمت بعدها مصادرة داري في قضاء جمجمال وتم بيع الاثاث بالمزاد ...
الموضوع :
تعويض العراقيين المتضررين من حروب وجرائم النظام البائد
فيسبوك