قاسم العجرش qasim_200@yahoo.com ||
الإنطلاق من الجزئيات لتفسير الكليات، منهج قديم في تفسير الأحداث، وإستشراف ما يمكن أن تؤول اليه، ومثله ثمة منهج في تصميم النماذج الهندسية، خصوصا في هندسة المباني الحديدية، حيث يصار الى تفكيك الهيكل الحديدي القائم الى أجزاء، ثم تصمم قطع جديدة مشابهة للقديم، لبناء مبنى مشابه له، وبما يسمى بالهندسة العكسية، وهو بالتالي إحد طرائق التحليل السياسي.
لذلك بدلا من الإستغراق في الجزئيات، التي رافقت وترافق زيارة بابا المسيحيين الى العراق، وهي زيارة مرحب بها لذاتها وليس لنتائجها، يتعين أن تكون تلك الجزئيات، دليلنا في تفسير المقاصد من الزيارة، والتوصل الى أهدافها الأولية والمرحلية والإستراتيجية.
في أحداث من هذا النوع، فإن سلوك الضيف والمضيف يعكس دائما؛ ما يرد أي منهما قوله أو الوصول اليه.
من لحظة هبوط "الضيف" أرض العراق، وخلعه قلنسوة البابوية عن رأسه وسيره حاسرا، فإن البابا وهو الضليع بعلوم اللاهوت والناسوت، أراد أن يعلن على الملأ، أنه الآن في أرض مقدسة، وان قدسيتها تفرض عليه؛ أن يقف في حضرة الأقداس حاسر الرأس، مكشوفا من أغطية الذنوب، عله يظفر ببركة المكان والزمان وصاحبهما عليه السلام، الذي يعرفه بابا المسيحيين جيدا، وذلك وفقا للعهد القديم "التوراة"، التي يعتبرها المسيحيين جزءا لا يتجزأ من عقيدتهم.
فيما تصرف "الضيف" الكبير بما يليق بالمكان والزمان، كان "المضيف" يتصرف على نحو مغاير، فقد أعد إستقبلا راقصا، برقصة السيوف التي لا تمت أبدا الى تراثنا بصلة، على الأقل لا يمارسها أكثر من تسعة أعشار العراقيين، فلا العرب الشيعة ولا الكورد أو التركمان، ولا حتى المسيحيين أنفسهم يمارسونها، بل تمارسها جماعات بدوية عربية، قليلة جدا منعزلة في البوادي، فما الذي اراده "المضيف" من الـ"يشامغ الحمر" والسيوف العريضة النصال؟!
في ذاكرتنا أن ثقافة "اليشماغ الأحمر"؛ ليست ثقافة عراقية أصيلة، بل هي ثقافة صدامية منتحلة من الجزيرة العربية، عمل الطاغية المقبور على نشرها بقوة إبان حربه على إيران، تزلفا للأنظمة العربية السعودية والخليجية، وليقول من خلالها أنه منهم!
السيوف تمثل ثقافة العنف والدم والقوة، وهي ثقافة يعمل العالم أجمع على مغادرتها، حتى أصحابها السعوديين الذين وضعوا السيف؛ تحت لفظة التوحيد في علمهم، يفكرون اليوم بشكل جاد بإزالة السيف من هذا العلم، كي يتقبلهم العالم كبشر اسوياء، يتعايشون مع الآخرين بسلام، بدلا من "عار" الإرهاب الذي دُمغوا به الى الأبد.
"الضيف" رجل سلام ودين كبير، وزعيم لأكثر من مليار "متدين" كاثوليكي، ليس في قاموسه المعلن على الأقل، أي قبول لثقافة السيوف، بل وجدناه في اكثر من مناسبة ولأهداف ظاهرها السلام والمحبة، يقبل ايادي واقدام كثيرين!
السيف واليشامغ الحمر ورقصة "الدحة" والدفوف، رسالة إنتماء سيئة، أعلنها "المضيف" بالتفاصيل المملة الى ثقافة السيف السعودية، وهي ليست خطأ إحتفاليا ولا رسالة بلهاء، بل كانت إجراءا مقصودا، تم تصميمه بعناية فائقة، بدلا من أن يستعرض "المضيف" أمام ضيفه ثقافة الإسلام، التي تعني السلام في بلد السلام!
ثم أن لكل قادم كرامة، ولكل مقام مقال، ولكل ضيف طريقة استقبال تليق بشخصه، فمنذ متى يتم استقبال رجال الدين، بالسيوف والدفوف و"الجالغي البغدادي" والرقص والغناء؟!
الضيف داعية سلام، ولو أطلق المضيف مئات من الحمامات البيض إحتفاءا بمقدم ضيفه، لكان منظرا مهيبا رائعا، لكننا إستقبلناه بالسيوف..فهل كان السيف يوما دلالة للسلام؟!
ثمة من يعتقد أن السفير السعودي، دفع أمولا وهدايا لمنظمي حفل الاستقبال، لإدخال رقصة الدحة السعودية، لتمثل العرب السنة ولكي يقال انهم امتداد لثقافة السعودية..!
كلام قبل السلام: السيوف والدفوف واليشامغ الحمر إنتماء، وليست مستلزمات حفل إستقبال فقط، وهذا هو الذي أراد "المضيف" قوله للضيف، ولبئس ما قال..!
سلام..
https://telegram.me/buratha