✍🏻 خالد جاسم الفرطوسي
القسم الثاني
وللقوة الناعمة من حيث الجانب الثقافي فلكان، الأول يدور حول الثقافة والآداب التي تعبِّر في مجملها عن الاستمتاع الجماهيري، الذي يشمل أحدث الألبسة والأطعمة والسينما والألعاب الإلكترونية وغيرها مما يُعبِّر عن الاستهلاك الاستمتاعي، وهذا منتشرٌ بشكل واسع ومسلّطٌ على شريحة كبيرة جداً.
أما الفلك الآخر، فيدور حول الثقافة النخبوية التي تمثلها الآداب والفنون والعلوم الرصينة التي تُوجَّه إلى قلّة وتتلقاها قلّة أيضاً تتذوقها وتستهلكها بصورة عقلية ووجدانية وليست استمتاعيه بحته.
ومن كل ما تقدم يتبين كيف اعتمد الصراع بين الحركات والتوجهات الثقافية على منصات التواصل الاجتماعي، فنلاحظ انتشار الجيوش الالكترونية المدعومة من قبل الدول الاستكبارية وفي مقدمتها أمريكا وحلفائها ومنظماتها ومؤسساتها مثل (معهد صحافة الحرب والسلام) الذي هو معهد بريطاني يعمل على تجنيد الشباب والنخب الإعلامية والصحفية في شبكات التواصل كمدونين لنشر الأخبار وإنشاء الصفحات المعنية في استخدام القوة الناعمة ضد القيم والثقافة الإسلامية والهوية الثقافية للمجتمع العراقي بشكل خاص والإسلامي بشكل عام وللعملية السياسية ومحاولة تسقيطها لتسقط بسقوطها الأحزاب الإسلامية وبالتالي ينعكس ذلك على الدين الإسلامي.
وهنا نلاحظ حجم الجيوش الالكترونية والصفحات والمواقع التي تعمل بشكل منظم ومنسجم، فتستعين بأغلب الوسائل الإعلامية وملاكاتها، وبالمقابل نجد الدعم الكبير لها.
وهنا يمكن القول وبكل أسف أن الأحزاب والحركات والتشكيلات الإسلامية لم تؤدي الدور المطلوب منها في شبكات التواصل فلم تكن بحجم المسؤولية الملقاة على عاتقها، بل نلاحظ غياب تام لكثير من الحركات الاسلامية في المعارك الثقافية الناعمة التي تحدث في ميدان التواصل الاجتماعي، لاسيما أن تلك الشبكات بدأت تشكل وعي المجتمع وتوجهاته ومواقفه، وأصبحت وسيلة من وسائل التربية وصناعة الأجيال والمجتمعات.
حتى تمكن العدو من الهيمنة وامتلاك الصوت الأعلى رغم قلته وعدم استناده لمبادئ قوية رصينة، ورغم أنه فاشل في تقديم المواقف اتجاه الوطن وقضاياه المصيرية، بل ومعرفة الداني والقاصي بإجرامه وإرهابه، لكننا نلاحظه يظهر وكأنه هو المنقذ والأكثر وطنية، أما الحركات والأحزاب الإسلامية فتظهر وكأنها هي من دمرت البلد وعاثت فيه الفساد، ورغم وجود شيء من الحقيقة في ذلك، إلا أن ذلك لا يقع على عاتق تلك الأحزاب فقط، لكن براعة الأعداء الإعلامية أظهرت وكأن الأحزاب الإسلامية والشيعية بالذات هي فقط المسؤولة عن كل فشل المنظومة السياسية في العراق.
حيث استعان هؤلاء بما يسمون بالمدنيين والشيوعيين والعلمانيين والليبراليين وحتى ببعض الحركات الإسلامية التي فقدت بوصلة الحق، مضافاً إلى الحركات الإسلامية المنحرفة.
وبدعم خارجي من أغلب سفارات الاستكبار من صناعة الذباب والجيوش الالكترونية بمختلف العناوين واستغلوا واستثمروا كل شيء ممكن في خدمة تطلعاتهم، وكل ذلك كان بتخطيط استراتيجي وتكتيكي وتشغيلي تم تحديد أهدافه ووسائل تحقيقها منذ فترة طويلة، إلا أننا وللأسف الشديد بدلاً من أن نواجه ذلك المخطط الخطير بتخطيط ممنهج سليم، واجهناه بوسائل تخلو من الأهداف البعيدة، وهي لا تهتم سوى بالنصر المؤقت من خلال منشور يصعد وترند يتصدر، فكنا كعادتنا ليس سوى حارس مرمى يتلقف ما يشنه الأعداء، ولم نتجرأ إلا قليلاً في شن هجمات ممنهجة، إلا أنها لم تكن تهدف لتحقيق أهداف بعيدة المدى، بل غاية ما ترنو إليه تحقيق أهدافها القريبة المدى التي لا تتعدى ما دون السنة في أبعد التصورات.
وهنا في الجانب الإعلامي استثمر الأعداء كل شيء، من قبيل:
• إعداد مقاطع فيديو تحكي نجاحات بعض أفراد المجتمع وهي عنصر جذب لشخصيات تريد التعريف بها وإبرازها.
• إعداد حكايات وقصص تتكلم عن تجارب بعض الإسلاميين التي من خلالها يمكن تدمير الطبقة المعنية منهم بنظر المجتمع.
• التلاعب بذكاء في صياغة الأخبار الكاذبة والتلفيق في الحقيقية لتضليل الرأي العام.
• قاموا بتصعيد مشاريع أو شخصيات تخدم الأعداء من خلال إعلام بعض مؤسساتنا، التي راحت تصعد في الكتابة عنها والترويج لها بشكل غير مباشر، بدلاً من تهميشها.
وما إلى آخره من برامج وفعاليات ونشاطات تقدم لهم فرص كبيرة للتأثير في المجتمع والرأي العام.
من هنا رأينا أن نكتب برنامجاً يتوافق مع ما تقدم من حرب إعلامية، وبصورة أجمالية وعامة، تاركين التخطيط التفصيلي له ولمراحله للمؤسسة المعنية.
نسأله تعالى أن يوفقنا مستقبلاً لكتابة دراسة تفصيلية بالجانب الإعلامي والثقافي، تتضمن الخطط الستراتيجية والتكتيكية مع تحليل للواقع المقصود من نقاط قوة ونقاط ضعف وفرص وتهديدات وأهداف مفصلة ووسائل تتعلق بكل هدف وليس كما بيناه هنا من جمع الوسائل بشكل موحد لا تفصيلي لكل هدف، لنرسم فيها الهيكل التنظيمي بشكل مفصل يتبعه توصيف وظيفي دقيق لكل قسم وشُعبة ووحدة، وما إلى ذلك من تفاصيل أخرى.
لا ملجأ منه إلا إليه أنه نعم المولى ونعم النصير.