عمار محمد طيب العراقي ||
الأقفاص بيوت صغيرة جدا يصنعها "البستنجية"، غالبا ما يصنعونها من أعواد جريد النخل الطرية، أو من أغصان أشجار الرمان الرفيعة في أوقات فراغهم، ولأن البساتين تعج بالبلابل التي يتعشق أهل المدن أقتنائها، ( لديَّ في حديقة منزلي ثلاثة منها)، فأن البستانيين يضعون داخل القفص بضع تمرات، فيدخل أحد البلابل القفص كي يأكل منها، فينغلق باب القفص عليه، ليحتفظ به البستاني أسيرا عنده..
البلبل بعد أن يجد نفسه أسيرا داخل القفص؛ يشرع بالبكاء رافضا الأسر، غير أن "الإنسان ـ البستاني"، يحسب أن ذلك البكاء تغريدا فيطرب له، تماما كنواح الثكالى الذي عده بعض الموسيقيين من تراث الفن..
مثل هذه الأقفاص؛ تصنعها قوى سياسية بعينها، كلما حان وقت الإنتخابات، تضع فيها (تمراتها) على شكل برامج براقة، حسبها المواطن العراقي، أنها ما سيحل مشكلاته في الحرية والإقتصاد والعدالة الإجتماعية، وأنها ستوفر عمودا يرتفع في نهايته مصباح يضيء عتمة الليل، وتعطيه مسكنا متواضعا يأوي عياله، ويرسل أولاده الى مدرسة جدرانها ليست من طين، مثل جدران مدرسة رأيتها بأم عيني، في قضاء مندلي المنكوب..
في الإنتخابات السابقة وعد المرشحين "البلابل" التي دخلت أقفاصهم، براتب دائم كحصة ثابتة من النفط، وأنه سيوظف أولادهم في وظائف حكومية لائقة، حتى لو كانوا أميين، كما وعد الخريجين منهم، بمناصب ومراكز عالية في الدولة، وسيعينعم حتما وأينما يرغبون، ولذلك هرع كثير من العراقيين الى الصناديق في الأنتخابات السابقة، ودخلو الأقفاص كي يأكلوا التمر !...
لأني بلبل من البلابل التي تعرف قصة القفص، فلقد قرأت بإمعان وتدقيق في الإنتخابات التي جائت ببرلماننا الحالي، عددا كبيرا من برامج الأحزاب والكيانات والكتل السياسية، التي كانت قد عرضتها على (البلابل) امثالي، فوجدتها لا تختلف عن بعضها بعض بالرؤى والآمال، والأحلام والوعود والمواعيد التي تعد المواطن بها..
في قراءاتي تلك؛ وجدت معظم ما أصطلح عليه انه برامج؛ متطابقة الى حد كبير بالتفاصيل، وبعضها متطابقة بالمعنى اللغوي، ومنها ما هو متطابق حرفيأ!
أعدت القراءة مرات ومرات؛ فوجدت أن بعضها كتبها شخص واحد، ليبيعها لتلك الكيانات المختلفة بالدوافع والتمثيلات السياسية! ومع أن منهم من يضع الدين أساسا لما يسميه عقيدته السياسية، ومنم من يضع القومية نبراسا لمسيرته، وآخر يعتبر الديمقراطية أولويته، لكنها جميعا تتحدث عن الوطن بنفس اللغة!
لكن وعلى أرض الواقع؛ فأن وطنها هو (قفصها)، أي فئتها السياسية أو الحزبية، أو الجماعة، ومنهم من كان وطنه الحلقة الضيقة التي تحيط برئيس الكتلة، ويسمون ذلك (الكتلة العابرة للمحيطات)..وهو(تقفيص) سياسي ليس إلا...إنهم بلا شك صانعو أقفاص ليس إلا!.. ترى هل جاءت مفردة "القفاصة" من القفص؟ ربما...
سأدلكم سادتي على أمكنة تكاثر فيها القفاصة، واحد في منطقة الباب الشرقي، حيث أنطلقت فتنة تشرين تريد وطنا "قفصا"، فتحول الوطن الذي يريدونه الى أحزاب التشارنة، والثاني في الجهة المقابلة للباب الشرقي، أقصد في الكرخ، في منطقة أطلق عليها رجل أجنبي أسم المنطقة الخضراء، وثالثة في المربعات المغلقة في (الجا...) ... في المنطقة الأولى يمكن أن تضيع أنت وشعبك و"لا من شاف ولا من درى"، وفي المنطقة الثانية يضيع حاضرنا ومستقبلنا ويشوه ماضينا، وفي الثالثة إبتلاع لكل شيء..لكن تحت سمعنا وبصرنا وبرضانا.
شكرا
18/2/2021
https://telegram.me/buratha