قاسم العجرش qasim_200@yahoo.com ||
أمضينا ثمانية عشر عاما الأخيرة؛ ونحن نتكلم بلا إنقطاع عن الديمقراطية، وعن العملية السياسية، والتداول السلمي للسلطة، وهرفنا بما نعرف وما لا نعرف، عن نظرية العقد الإجتماعي، وعن مأسسة الدولة؛ وغيرها من المصطلحات والتعابير المجانية، لكننا بالواقع كنا ننفق وقتنا بما لا نريده ولا نؤمن به!
الديمقراطية ليست "طق حنوك"، بل هي "موضوع" شائك معقد، يتعين مقاربته بوعي متكامل، لا يحتمل التأويل والإجتهاد والإجتزاء، فضلا عن أن الديمقراطية تحتاج الى مقدمات، أهمها الحرية؛ التي تمثل الركيزة الأولى للديمقراطية، والى ضمانات الحياة الحرة الكريمة، وعيش بلا خوف من المجهول او ما سيأتي به الغد.
الديمقراطية كنظام حكم وكمنهج إجتماعي سياسي؛ تختلف إختلافا جوهريا وجذريا، عن الشعبوية التي يعتقد كثير من السذج؛ أنها هي الديمقراطية التي تتحدث عنها أدبيات السياسة، فالشعبوية بالواقع منهج صارخ، من مناهج ديكتاتورية قيعان المجتمعات، التي تفرض قيمها وآرائها وممارساتها على بقية مكونات المجتمعات، فتخضع لها مرغمة مغلوبة على أمرها، ثم تضطر الى التعايش معها، وشيئا فشيئا تتقبلها، وتتحول الى جزء منها، وتكون النتيجة إنهيارات مجتمعية مستمرة، كما هو جار على قدم وساق في العراق!
لا ينفع أن نطالب بالديمقراطية، بل يتعين علينا أولاً، أن نكون أصحاب وعي مهيأ لها، أما محاولة محاكاة الدول الأخرى؛ التي تعتنقها كنظام حكم، أو أن نقوم باستيرادها، ونعلبها بمباني برلمانية، أو أن نغمس أصابعنا بالحبر البنفسجي، ونلقي أوراقا نعرف أن هنالك من سيزورها او يمزقها، أو يحرقها الشعبويين على رؤوس الأشهاد، ويستبدلونها بغيرها مما أعدوه سلفا، فليس أكثر من تضليل لأنفسنا دون سوانا.
القصة ليست بمبنى للبرمان، ولا بـ"عرس" إنتخابي، كما اصطلح الإعلام على وصف الإنتخابات، بل بالوعي الشعبي والاجتماعي، لمفهوم العلاقة بين الحاكم والمحكومين.
ثمة علاقة وشائجية بين الديمقراطية والتنمية، فالتنمية الفكرية عماد الديمقراطية، والديمقراطية تتطلب يقظة الناخب، كي لا يبدو همجياً أو داعشياً، ولكي لا يخضع لأساليب الشعبويين القسرية.
الديمقراطية لا تنسجم أبدا؛ مع غياب المساءلة، ولا تتسق مع تنامي غيلان الفساد، ولا تفشي المحسوبية، ولا إنتهاك العدالة الاجتماعية، فهذه كلّها عوائق تحول دون الممارسة الدموقراطية.
الديمقراطية ليست "لعبة دعبل" يمارسها الصفار في الحواري، بل هي تحول كبير في حياة الشعب، يجب أن نقاربه بكثير من الحيطة والحذر، وأن نوطن أنفسنا على قبول مخرجاته، بل يجب أن نحب هذا التحول ونتعشقه ونتغنى به، هذا إذا حسمنا امرنا بأنه طريق لمستقبلنا، فلقد كلفت الديمقراطية في مواطنها الغربية؛ كثيراً من التحولات الدامية والمأساوية، حتى وصلت إلى عمق الوعي الجمعي، الذي أطلقها وقام بصياغتها، في مؤسسات رصينة تمارسها بمسؤولية.
الديمقراطية لا تتعايش ابدا على سطح واحد، مع فكرة “الزّعيم” الخارق، التي تصنعها دوما زبانية المرتزقة المعتاشين القريبة منه، وتخشى من فقدان اِمتيازاتها إذا آلت الأمور لغيره..هؤلاء تتضارب دوما رغبتهم في تأبيد مصالحهم، مع القِناع الدّيمقراطي؛ فيلجأون الى المخالفات الصارخة والإستثناءات الفجة، حيث يقيمون مزارع الفساد السياسي..!
كلام قبل السلام: الزّعيم السياسي ما يزال عندنا اِستثنائيا، فهو "جبل أشم" يقاوم عوامل التّهرئة والتعرية، ولا يؤثّر فيه تعاقب الحدثان..!
سلام..
https://telegram.me/buratha