المقالات

اصلاح العراق..!


 

محمد عبد الجبار الشبوط ||

 

العراق بكل مكوناته الاولية (الشعب، الارض، الحكم، منظومة القيم الخ) بحاجة الى اصلاح جذري. وقراءة بسيطة للتاريخ، تكشف لنا ان الحاجة الى الاصلاح الجذري قديمة جدا. يقول بعض المؤرخين ان الخراب اخذ يدب في العراق منذ مطلع القرن الرابع الهجري/ العاشر الميلادي. ويقدم الجغرافي والمؤرخ محمد بن احمد المقدسي البشاري (٣٣٦-٣٨٠ هجرية) صورة بائسة للعراق منذ ذلك الوقت، في كتابه "احسن التقاسيم" حيث يصف العراق بانه"بيت الفتن والغلاء وهو في كل يوم الى وراء". صحيح انه جرت محاولا اصلاحية كثيرة منذ ذلك الحين، لكنها فشلت في المحصلة الاخيرة، لانها لم تعالج العلة الاساسية المسببة للخراب، وهي الخلل الحاد في المركب الحضاري ومنظومة القيم العليا الحافة بعناصره الخمسة، اي الانسان والارض والزمن والعلم والعمل. وكانت مجرد محاولات ترقيعية فوقية سطحية لا تغوص الى القاع ولا تصلح الخلل الحاد. وفي كل منعطف، تتجدد الامال بامكانية تحقيق الاصلاح، لكن الامال تخيب بسبب ارتكاب نفس الخطأ في المعالجة. صحيح ان الدول تتركب من شعب وارض وحكم، لكن هذه الدول تصلح او نفسد وفقا لمنظومة القيم العليا الحافة بالمركب الحضاري. فاذا صلحت منظومة القيم العليا صلح الفرد والمجتمع والدولة، واذا فسدت منظومة القيم العليا، فسد الجميع، وخربت البلاد والعباد.

اليوم تعيد القوى التي ترفع راية الاصلاح، القديمة والجديدة، ارتكاب نفس الخطأ بانشغالها بالقضايا الجزئية والسطحية، ناسية او متناسية، العلة الحقيقية، ولهذا السبب لا تقدم العلاج الحقيقي لهذه العلة. يستطيع اي متابع ان يعدد قائمة المصطلحات والعبارات المستخدمة تحت عنوان الاصلاح، وسوف يجد انها جميعا دون القول باصلاح منظومة القيم العليا الحافة بالمركب الحضاري. وهذا بحد ذاته وصفة مبكرة بالفشل في تحقيق الاصلاح. وهذا جوهر ما يسميه الاخ الاستاذ لقمان الفيلي بالتيه. مازال الباحثون عن الاصلاح في تيه عن الطريق الموصل اليه. وانا ازعم ان الطريق الموصل الى الاصلاح هو اصلاح منظومة القيم العليا الحافة بالمركب الحضاري وعناصره الخمسة. وسبب زعمي هذا هو ان هذه المنظومة هي المحركة لسلوك الفرد والمجتمع والحكام، وهي المؤشرات العليا للسلوك، فان استقامت استقام ما عداها، والعكس صحيح. وما لم يركز الطامحون باصلاح اوضاع البلاد والعباد على اصلاح منظومة القيم العليا الحاكمة على البلاد والعباد فسوف يظل العراق يدور في دائرة مفرغة، او كما قال المقدسي "كل يوم الى وراء"، لانه بدون اصلاح هذه المنظومة سوف تفشل الجهود الاصلاحية المبذولة في الدوائر الاخرى.

اصلاح منظومة القيم عملية ستراتيجية تربوية طويلة الامد يمكن ان تقوم بها عدة اطراف في المجتمع. وعلى رأس هذه الاطراف المدرسة. ففي المدرسة، ومنذ المرحلة الاولى منها، يبدأ العمل على زرع القيم العليا في نفوس الاطفال وتربيتهم عليها وتنشئتهم عليها، ليصبحوا بعد ١٢ سنة، هي السنوات التي يقضونها في المدرسة، مواطنين صالحين فعالين يحسنون التصرف في اي موقع يتواجدون، ويكونون لبنات ايجابية و متينة في مجتمع حسن التنظيم يصلح ان يكون القاعدة التأسيسية لدولة حضارية حديثة.  وهذا يتطلب تبني نظام تربوي حديث قادر على تحقيق هذا الامر.

كما يستطيع خطباء الجمع ودور العبادة القيام بدور مشابه مادام هناك جمهور عريض يستمع اليهم ويتأثر بهم. وهذا يتطلب توفير فهم حضاري للقران خاصة والدين عامة يستطيع ان يلتقط الاشارات القرانية للقيم العليا حيثما وجدت واشاعتها بين المتلقين.

كما تستطيع وسائل التواصل الاجتماعي خاصة ووسائل الاعلام عامة ومنظمات المجتمع المدني القيام بدور مشابه.

اشترك في قناة وكالة انباء براثا على التلجرام
https://telegram.me/buratha
المقالات لا تعبر بالضرورة عن رأي الموقع
اضف تعليقك
الاسم والنص والتحقق من الروبوت ضروري
الاكثر مشاهدة في (المقالات)
الاسعار الرسمية للعملات مقابل الدينار
دينار بحريني 0
يورو 0
الجنيه المصري 0
تومان ايراني 0
دينار اردني 0
دينار كويتي 0
ليرة لبنانية 0
ريال عماني 0
ريال قطري 0
ريال سعودي 0
ليرة سورية 0
دولار امريكي 0
ريال يمني 0
التعليقات
حيدر الاعرجي : دوله رئيس الوزراء المحترم معالي سيد وزير التعليم العالي المحترم يرجى التفضل بالموافقه على شمول الطلبه السادس ...
الموضوع :
مجلس الوزراء : موقع الكتروني لإستقبال الشكاوى وتقديم التعيينات
سهام جاسم حاتم : احسنتم..... الحسين بن علي بن أبي طالب عليهما السلام.جسد اعلى القيم الانسانية. لكل الطوائف ومختلف الاقوام سواء ...
الموضوع :
الحسين في قلب المسيح
Muna : بارك الله فيكم ...احسنتم النشر ...
الموضوع :
للامام علي (ع) اربع حروب في زمن خلافته
الحاج سلمان : هذه الفلتة الذي ذكرها الحاكم الثاني بعد ما قضى نبي الرحمة (ص) أعيدت لمصطفى إبن عبد اللطيف ...
الموضوع :
رسالة الى رئيس الوزراءالسابق ( الشعبوي) مصطفى الكاظمي
فاديه البعاج : اللهم صلي على محمد وال محمد يارب بحق موسى ابن جعفر ان تسهل لاولادي دراستهم ونجاح ابني ...
الموضوع :
صلاة الإمام موسى بن جعفر الكاظم (عليه السلام) لقضاء الحوائج
محمد الخالدي : الحمد لله على سلامة جميع الركاب وطاقم الطائرة من طيارين ومضيفين ، والشكر والتقدير الى الطواقم الجوية ...
الموضوع :
وزير النقل يثني على سرعة التعاطي مع الهبوط الاضطراري لطائرة قطرية في مطار البصرة
Maher : وياريت هذا الجسر يكون طريق الزوار ايضا بأيام المناسبات الدينية لان ديسدون شارع المشاتل من البداية للنهاية ...
الموضوع :
أمانة بغداد: إنشاء أكبر مجسر ببغداد في منطقة الأعظمية
ساهر اليمني : الَّذِينَ إِن مَّكَّنَّاهُمْ فِي الْأَرْضِ أَقَامُوا الصَّلَاةَ وَآتَوُا الزَّكَاةَ وَأَمَرُوا بِالْمَعْرُوفِ وَنَهَوْا عَنِ الْمُنكَرِ وَلِلَّهِ عَاقِبَةُ الْأُمُورِ ...
الموضوع :
السوداني : عاشوراء صارت جزءا من مفهومنا عن مواجهة الحق للباطل
هيثم العبادي : السلام عليكم احسنتم على هذه القصيدة هل تسمح بقرائتها ...
الموضوع :
قصيدة الغوث والامان = يا صاحب الزمان
فيسبوك