د. باسم دخيل العابدي ||
يتفق جميع العقلاء -حتى اكثرهم عداوة للولايات المتحدة الأمريكية - على أن القرنين الأخيرين مثلا عصر الهيمنة الأمريكية دون منازع فلا اوربا بمحاورها ودولها ولا الاتحاد السوفيتي وروسيا بعده بمساحتهما الشاسعة ولا الصين و الهند بنفوسهما التي فاقت المليار ونصف المليار استطاعوا التقدم على امريكا وتجاوزها أو منعها من ان تكون القوة العسكرية والاقتصادية الاولى في العالم هذا فضلا عن الدول العربية والإسلامية التي يرزح أكثرها تحت الاحتلال السياسي الامريكي.
لقد انتهت الحرب العالمية الثانية بغروب شمس الدولة العثمانية وبريطانيا العظمى وألمانيا النازية وتهيات الأرضية لتتفرد امريكا بالسيطرة على العالم بعد تشبث الاتحاد السوفيتي بالشيوعية وتداعياتها التدميرية.
الملفت أن الجيش والجليد الروسيين أسهما في صعود امريكا وظهورها كدولة قوية أولى في العالم بسبب دورهما الكبير في هزيمة المانيا القوية وبعد أن دخل الجيش الروسي برلين ومت هتلر بعد تناوله هو وعشيقته ايفا براون الزرنيخ ؛ هذا بالإضافة إلى جغرافية امريكا ودخولها المتاخر في الحرب العالمية وحصولها على القنبلة النووية جعلها تخرج من الحرب اقوى من غيرها من دول الحلفاء المنتصرة .
في مقابل ذلك لم تفد أمريكا من هذه القوة لبسط العدالة ومساعدة شعوب الأرض وانما بالغت في الاستبداد والظلم وانتهاك كرامة الأمم والشعوب وهذا ما جعلها عرضة لسنة التبديل والتغيير الإلهية المطردة منذ تاسيس الإنسان للدولة والحضارة فقد بلغ الروم قمة القوة في بعض الأزمنة وتربع الفرس على هرم القوة في زمان اخر وكان هارون العباسي يخاطب السحابة منتفخا: ( امطري حيث شئت سوف يأتيني خراجك) وكانت بريطانيا المملكة التي لاتغرب عنها الشمس فعصفت رياح التبديل بكل هذه الدول ولم تعد بتلك القوة التي تستطيع معها إجبار العالم على الطاعة وفرض العبودية على الدول والشعوب.
لقد أختارت امريكا السير في الطريق نفسه الذي سارت فيه الحضارات والدول السابقة والتي آل أمرها إلى السقوط كما ذكرنا وهذا يعني حتمية انحسار القوة الأمريكية وانتهاء عصرها ايضا على وفق حاكمية هذه السنن وحتميتها وقد أخذت معالم غروب الولايات المتحدة الأمريكية وتقهقرها تظهر بوضوح بعد قيام الثورة الإسلامية في إيران حيث تمكن الامام الخميني من دق المسمار الاول في راس الغطرسة الأمريكية حين أطلق عبارته المشهورة: ( أننا نضع امريكا تحت أقدامنا) ثم أخذ هذا المسمار الثوري الإيراني يزداد نفوذا وتغلغلا في روح امريكا كلما زادت إيران من تثبيت موقعها بين الدول القوية.
ان الصفعات التي وجهتها الجمهورية الإسلامية لأمريكا ابتداء من اعتقال الجواسيس الأمريكيين وعناصر المخابرات الإسرائيلية في السفارة الأمريكية في طهران مرورا بفضيحة الإنزال الفاشل في صحراء طبس قرب مدينة قم الإيرانية ومن ثم إسقاط مشروع الحرب الذي دفعوا صدام حسين لاشعالها ضد الثورة الإسلامية الوليدة واخيرا انزال طائرة ( RQ_ 170). ذات التقنية المتطورة جدا والبالغة التعقيد واستهداف قاعدة عين الأسد الامريكية في العراق بالصواريخ البالستية الإيرانية: لم تجرأ جميع دول العالم على توجيه مثل هذه الصفعات والاهانات للولايات المتحدة في التاريخ المعاصر.
المستخلص مما ذكر أن أمريكا في طريقها إلى السقوط والأندثار ولكن هل يعني هذا أن الجمهورية الإسلامية في ايران هي البديل المحتمل للولايات المتحدة في قيادة العالم على المدى المنظور؟
لاخلاف في أن المؤمنين جميعا لايخالطهم الشك في أصل التمكين ووراثة الأرض وحكومتها وإدارة شؤون البشرية وهذا يعني أن الدولة الإسلامية ستكون الدولة الاقوى في العالم وذلك استنادا إلى حتمية تحقق الوعد الإلهي الوارد في أكثر من موضع في القران الكريم ومنه قوله تعالى: ( ولقد كتبنا في الزبور من بعد الذكر أن الأرض يرثها عبادي الصالحون) الانبياء :105 . ومنه قوله تعالى: ( ونريد أن نمن على الذين استضعفوا في الأرض ونجعلهم أئمة ونجعلهم الوارثين) القصص: 5. ومنه آية الاستخلاف النور :55..
إلا أن تحديد مصداق الاستخلاف ونسبته إلى الجمهورية الإسلامية في إيران أمر مشكل لاسيما أن بعض الروايات الشريفة تشير إلى أن المقصود بآيات الوراثة حكومة الامام القائم عجل الله فرجه الشريف لأنها النموذج الكامل والنهائي للحكم الصالح بعد تجارب البشرية واختبارها لجميع النماذج غير المعصومة وفشلها في تحقيق سعادة البشرية.
ولكن هذا التفسير لاينفي صلاحية بعض الدول القائمة على مباني دولة الامام المعصوم نفسها على أن تتصدى لقيادة العالم في إطار التمهيد لقيام الدولة العادلة وهذا مايرفع سقف الامل والاحتمال في نفوس المؤمنين أن تكون الجمهورية الإسلامية في إيران هي القوة التي ستخلف امريكا في قيادة العالم على الرغم من بروز الصين والهند وحتى روسيا كقوى عالمية كبيرة وترشح هذه الدول لخلافة امريكا فالأمل كبير في ارتقاء الجمهورية الإسلامية وتصديها لقيادة العالم بمساعدة المؤمنين في أرجاء الدنيا بعيدا عن تخرص القوميين والطائفيين والجهلة و ستكون محمية من تأثير السنن برعايتها للعدالة ومن ثم تسليمها الدولة للقيادة المعصومة لن شاء الله تعالى.