محمد عبد الجبار الشبوط ||
جسد انقلاب ٨ شباط من عام ١٩٦٣ المسافة الكبيرة التي تفصل المجتمع العراقي عن فكرة الديمقراطية بوصفها احد الاسس المهمة التي تقوم عليها الدولة الحضارية الحديثة.
فالديمقراطية، في حدها الادنى، نظام لتداول السلطة سلميا عن طريق الانتخابات الدورية العادلة بمشاركة مواطنين متساوين واحرار.
وهذا هو ما اطلقت عليه الكتابات الاكاديمية عنوان "التعريف الاجرائي" للديمقراطية، الذي ربما يكون الباحث الانگليزي دلايل بيرنز اول من اشار اليه في كتابه "الديمقراطية" الصادر عام ١٩٢٩ حيث قال:"إن الذي يفهمه معظم الناس منها، هو حق العدد الكبير من أفراد الشعب العاديين في كل بلدٍ من البلاد أن يستبدلوا بحكامهم حكامًا غيرهم، ويُشرفوا بعض الإشراف على طريقة حكمهم، ويتناقشوا علنًا في كل طرائق الحكم وقرارات الحكومة، مناقشة مصحوبة بحريتهم في انتقاد جميع ولاة الأمور". ولعل اول من ربط الديمقراطية بالنقاش هو الكاتب الانگليزي وولتر باجهوت الذي عرّف الديمقراطية بانها "الحكم عن طريق النقاش".(١٨٦٩).
وهو التعريف الذي تابعه شومبيتر في كتابه الكبير "الراسمالية والاشتراكية والديمقراطية" الذي اصدره عام 1942 الذي قال فيه: ان الديمقراطية هي "ذلك الترتيب المؤسساتي للوصول الى قرارات يمكن من خلالها ان يتولى الافراد السلطة عن طريق التنافس على اصوات الناخبين.". ثم جاء كارل بوبر ليقول في عام ١٩٥٨: ان الديمقراطية تعني "القدرة على التخلص من الحكومة دون اراقة دماء." قائلا "ان النقطة الاساسية هي ان نكون قادرين على خلع الحكومة من دون اراقة دماء"، مضيفا "اهم شيء هو قدرتنا على اقالة الحكومة دون اراقة دماء، قبل ان تتولى حكومة اخرى زمام الحكم".
في ذلك العام، اسقط الجيش العراقي الحكومة الملكية باراقة الكثير من الدماء، وبعد ذلك بخمس سنوات فقط قام البعثيون باسقاط الحكومة الجمهورية بسفك المزيد من الدماء ايضا. وكان من الواضح ان الفاعلين العراقيين من العسكرين والمدنيين لم يكونوا يؤمنون بالتداول السلمي للسلطة، وانهم فضلوا استخدام السلاح لتحقيق ذلك، وان المجتمع رضي منهم هذا التصرف. وكان هذا من العقبات المهمة التي اعاقت بناء الديمقراطية في هذا البلد. واليوم يستعد البلد لخوض الانتخابات الخامسة منذ الاطاحة بالنظام الدكتاتوري عام ٢٠٠٣، لكن العراق مازال بعيدا عن الديمقراطية، لان المستلزمات الديمقراطية للانتخابات لم تتوفر بعد.
https://telegram.me/buratha