المقالات

التواصل والاتكاء المعرفي  

1327 2021-02-01

  د. حسين القاصد  ||

 

 ان أي نص ابداعي ليس له أن يكون مخلوقاً جديدا بالمعنى الانفصالي التام عما سبقه ، وبصورة أدق ( نجد أن مانقوله يعتمد على مايقوله الآخرون وماقالوه ، ومانتوقع منهم ان يقولوه ، وتعد محادثاتنا حوارية ، وكذلك ابداعنا) ،ومن هذا ، نجد أبا الطيب المتنبي يقول :  وصرت أشك في من أصفيه       لعلمي أنه بعض الأنام  هنا نجد حوارية بوح ، فلقد رأى باختين ( ان التواصل هو ـ بالدرجة الأولى ـ حوار ... فإننا نكتب أو نتحدث فنحن نباشر ذلك مع متلق أو مستمع متمثل في العقل ، كما أن كتابتنا وكلامنا هو دائما مرتبط بتلك الأفكار والمعتقدات التي كانت في الماضي ) ، ولو أمعنا قليلا لوجدنا جذرا لشك المتنبي ، فهو مرتبط بما قيل من شعر في الماضي ؛ وهنا يجد النقد الثقافي نسق الاتكاء على الماضي ليجعله الشاعر جسرا الى المتلقي ، بينما تجد الذرائعية ان التأويل التداولي يشي بالاقتضاء التداولي ، فالمعنى الواضح هو ان المتنبي فقد الثقة بمن حوله ، لكن هذا لايمنع من ان نقول ان الناس ليسوا اهلاً للثقة ، وفي كلا التشخيصين الثقافي والتداولي نرى ان المتنبي بحاجة شديدة للتواصل ، فالتواصل  يحقق غاية المتنبي الشخصية ، لأن ( عملية الحوار هذه تستمر حتى وإن لم نكن بالفعل نتحدث الى اشخاص ، فهي تحدث عندما نكتب أو ـ توسعا ـ مع أي نوع من النشاط الابداعي) ؛ والحوار الابداعي هو رسالة الى متلقٍ وهذا المتلقي من حقه ان يرى صورة الحياة التي ولد في كنفها هذا البيت ، ولنأخذ بيتا آخر لأبي الطيب :  وضاقت الأرض حتى كان هاربهم          إذا رأى غير شيء ظنه رجلا ولا شك اننا نلمس ترسيخا للخوف ، فالهارب لايكون ضمن مجموعة ، لاسيما ان الحرب كانت بالسيوف وليس بالاسلحة الكيماوية والقنابل النووية ؛ بمعنى أن الهروب انفرادي ، وأي انفراد مرعب خوفا من ظهور شخص ثانٍ ؛ فالشك عند المتنبي ليس حاضرا انما هو ماض مموه ، كذلك الخوف عند "هاربهم" الذي جاء على لسان المتنبي هو تكرار لمعرفتنا ان السير في مكان خال بشكل انفرادي يشكل رعبا يصل الى ان المرء اذا رأى غير شيء ظنه رجلاً ؛ وتكرار معرفتنا للشيء لا شك انه نافع جدا ، فمن بعض اشتراطات النقد الثقافي هو ان يكون الناقد الثقافي ملمّا ببعض مايخص المبدع قبل ان يتناول منجزه ،  لذا نرى ان الناقد الثقافي يكون ـ على الغالب ـ معنيا بسلوك المؤلف وحياته اكثر من عنايته بنصه الابداعي ، لأن النقد الثقافي معنيّ بالنسق المضمر وفضح عملية التسلل الى الغايات باسلحة بلاغية للتغطية على غاية مضمرة .
اشترك في قناة وكالة انباء براثا على التلجرام
https://telegram.me/buratha
المقالات لا تعبر بالضرورة عن رأي الموقع
اضف تعليقك
الاسم والنص والتحقق من الروبوت ضروري
الاكثر مشاهدة في (المقالات)
الاسعار الرسمية للعملات مقابل الدينار
دينار بحريني 0
يورو 0
الجنيه المصري 0
تومان ايراني 0
دينار اردني 0
دينار كويتي 0
ليرة لبنانية 0
ريال عماني 0
ريال قطري 0
ريال سعودي 0
ليرة سورية 0
دولار امريكي 0
ريال يمني 0
التعليقات
حيدر الاعرجي : دوله رئيس الوزراء المحترم معالي سيد وزير التعليم العالي المحترم يرجى التفضل بالموافقه على شمول الطلبه السادس ...
الموضوع :
مجلس الوزراء : موقع الكتروني لإستقبال الشكاوى وتقديم التعيينات
سهام جاسم حاتم : احسنتم..... الحسين بن علي بن أبي طالب عليهما السلام.جسد اعلى القيم الانسانية. لكل الطوائف ومختلف الاقوام سواء ...
الموضوع :
الحسين في قلب المسيح
Muna : بارك الله فيكم ...احسنتم النشر ...
الموضوع :
للامام علي (ع) اربع حروب في زمن خلافته
الحاج سلمان : هذه الفلتة الذي ذكرها الحاكم الثاني بعد ما قضى نبي الرحمة (ص) أعيدت لمصطفى إبن عبد اللطيف ...
الموضوع :
رسالة الى رئيس الوزراءالسابق ( الشعبوي) مصطفى الكاظمي
فاديه البعاج : اللهم صلي على محمد وال محمد يارب بحق موسى ابن جعفر ان تسهل لاولادي دراستهم ونجاح ابني ...
الموضوع :
صلاة الإمام موسى بن جعفر الكاظم (عليه السلام) لقضاء الحوائج
محمد الخالدي : الحمد لله على سلامة جميع الركاب وطاقم الطائرة من طيارين ومضيفين ، والشكر والتقدير الى الطواقم الجوية ...
الموضوع :
وزير النقل يثني على سرعة التعاطي مع الهبوط الاضطراري لطائرة قطرية في مطار البصرة
Maher : وياريت هذا الجسر يكون طريق الزوار ايضا بأيام المناسبات الدينية لان ديسدون شارع المشاتل من البداية للنهاية ...
الموضوع :
أمانة بغداد: إنشاء أكبر مجسر ببغداد في منطقة الأعظمية
ساهر اليمني : الَّذِينَ إِن مَّكَّنَّاهُمْ فِي الْأَرْضِ أَقَامُوا الصَّلَاةَ وَآتَوُا الزَّكَاةَ وَأَمَرُوا بِالْمَعْرُوفِ وَنَهَوْا عَنِ الْمُنكَرِ وَلِلَّهِ عَاقِبَةُ الْأُمُورِ ...
الموضوع :
السوداني : عاشوراء صارت جزءا من مفهومنا عن مواجهة الحق للباطل
هيثم العبادي : السلام عليكم احسنتم على هذه القصيدة هل تسمح بقرائتها ...
الموضوع :
قصيدة الغوث والامان = يا صاحب الزمان
فيسبوك