محمد عبد الجبار الشبوط||
الحديث عن الدولة واللادولة، او استعادة هيبة الدولة، او حكومة الاغلبية البرلمانية، او ما شابه ذلك، لا يكفي لوحده، بل لابد من تحديد صفة الدولة التي نتحدث عنها.
ولاننا في الربع الاول من القرن الحادي والعشرين، فان الصفةالمطلوبة للدولة التي يراد ان تكون مقابل اللادولة، والتي يراد استعادة هيبتها، والتي يراد ان تحكمها حكومة اغلبية برلمانية، يجب ان تكون دولة حضارية حديثة. وهذا التوصيف ليس موضوعا لخلاف حزبي او سياسي او ديني. فلا يمكن ان نعيش الا في ظل دولة حضارية حديثة. وهذا الوصف ينبغي ان يكون امنية كل مواطن عراقي، واحسب انه كذلك، فلا يوجد انسان يحب العيش في دولة متاخرة ومتخلفة. وهذا الوصف ينبغي ان يكون دائرة الاتفاق والاجماع بين كل الاحزاب. يمكن ان تختلف الاحزاب في كل شيء، لكن لا يجوز ان تختلف في توصيف الدولة بانها دولة حضارية حديثة. ولهذا اقول ان على كل القوى والشخصيات السياسية، القديمة والجديدة، ان تعلن ان هدفها هو جعل العراق دولة حديثة، ولا مانع في ان تختلف بعد ذلك في اجتهاداتها بكيفية تحقيق ذلك، لان الطرق الى الدولة الحضارية الحديثة متعددة ومتنوعة، ولا يمكن حصرها بطريق واحد.
وهذا هو معنى العقد الاجتماعي. الذين يتحدثون عن عقد اجتماعي جديد يجب ان يكونوا واضحين ومحددين: العقد الاجتماعي يعني الاتفاق على اقامة دولة حضارية حديثة. وكذلك الذين يتحدثون عن الدولة واللادولة، وعن استعادة هيبة الدولة. يجب ان يكون واضحا لديهم ان المقصود هو: الدولة الحضارية الحديثة. والا كان كلامهم هواء في شبك، ومناورات، وحتى لا اقول للاستهلاك المحلي والضحك على الذقون. او في احسن الاحوال: التحدث بدون علم.
وهاتان صفتان واضحتان لا تحتاجان الى كثير شرح وتفصيل. اما الدولة فمعروفة في الكتب المدرسية، فالدولة الحضارية الحديثة هي الدولة القائمة على اساس القيم العليا الحافة بالمركب الحضاري وعناصره الخمسة. والعناصر هي: الانسان والطبيعة والزمن والعلم والعمل. والدولة الحضارية هي المسؤول عن توفير كل ما يلزم لاشتغال عناصر المركب الحضاري بالشكل المنتج لسعادة الانسان. واول ما يلزم هو: منظومة القيم العليا. واذا كان مرددو تعابير الدولة واللادولة واستعادة هيبة الدولة وحكومة الاغلبية البرلمانية جادين في ذلك، فعليهم ان يشتغلوا على ايجاد نظام تعليمي وتربوي قادر على غرس هذه القيم في نفوس الناشئة وتربيتهم على اساسها لتخريج اجيال حضارية حديثة كل ١٢ سنة. والعلم يلعب الدور الاساسي في حياة المجتمع والدولة، ولا سبيل امام العلم الا النظام التربوي الحضاري الحديث الذي يمهد الارضية لتوظيف العلم الحديث في كل نشاطات الدولة واعمالها.
والدولة الحضارية الحديثة تبنى على اساس المواطنة وليس المكونات، والديمقراطية وليس الدكتاتورية، والقانون وليس الفوضى، والمؤسسات وليس الاشخاص، والعلم وليس الجهل او الخرافة.
والدولة الحضارية الحديثة تعني المعالجة الجذرية لعيوب التأسيس القديمة والحديثة في السياسة والاقتصاد والاجتماع والقانون والادارة وغير ذلك.
والدولة الحضارية الحديثة تعني التنمية المستدامة، وحقوق الانسان، والتعايش السلمي، ومكافحة الفساد، ومحاربة التخلف، واحترام المرأة، والعناية بالطفل، والازدهار الثقافي والروحي، والفهم الحضاري للدين، ووفرة الانتاج، وعدالة التوزيع، وتهذيب السلوك، والاحترام المتبادل.
ان الدولة الحضارية الحديثة مشروع لبناء حياة جديدة تليق بالانسان وكرامته بوصفه خليفة الله في ارضه والسيد على نفسه وعلى مصيره.
واذا كانت الدولة مسؤولة عن سعادة هذه الانسان، فلا يمكنها القيام بهذه المسؤولية على افضل وجه دون ان تكون دولة حضارية حديثة. هذا هو الطريق الوحيد المتوفر.